وابتدأت الامتحانات. وبدأنا نستقبل في مواقع الاجتماعات تسريبات لإجابات الطلبة التي يراها بعض المدرسين مادة للضحك والسخرية. ولا شك أن بعض تلك اللقطات مفبركة. وقد تم تدبيرها لإضحاك الآخرين. إذ تلاقي تلك المواد الاستهبالية قبولاً كبيراً في الفيسبوك وتويتر والواتس أب. ويتم تداولها بكثافة ولا مبالاة ولا تدقيق. ولكن الأكيد أيضاً أن بعضها حقيقية. وتعكس ضحالة فصيل من الطلبة وغيابهم التام عن جو الدرس والمنهج. فهي مثال على رداءة شريحة من الطلبة الكسالى الذين لا تعني لهم المدرسة أي شيء. وهنا يقتنص المدرس وجود مثل تلك الإجابات الساذجة التي تعادل العورات فيصورها بهاتفه النقال ويرسلها في الفضاءات الاجتماعية ليقول من خلالها انه قد فقد الأمل في طلبتنا، وأنهم لا يستحقون إلا الازدراء. ويبدو أنه في تلك اللحظة قد نسي أن بلادة الطالب لم تتأت من فراغ بل من عدم وجود مدرس مثابر وقادر على إقناعه بجدوى المدرسة ومغزى التعليم. مع التسليم بأن هناك من لا يريد أن يتعلم أصلاً. فالطالب مهما كان غبياً أو مُهملاً يمكن ترغيبه في العلم بشيء من المحاولة. وهذا هو الأصل في الممارسة التربوية. أي تأهيل الطالب بكل الطرق، لا السخرية منه. إن تلك الإجابات الساذجة الصادرة عن طالب كسول بقدر ما تبعث على الضحك تثير الشفقة والحسرة إزاء جيل من الطلبة ارتبط مفهوم التعليم في أذهانهم بالتساهل والغش والاستهبال. وهو استنتاج لم ينزرع في وعي هذا الجيل لولا رداءة بنية التعليم بشكل عام. على مستوى المبنى والمعنى إن إقدام المدرس على تصوير إجابة الطالب وبث إجابته على الملأ بمنتهى البساطة واللامبالاة هو انتهاك لميثاق التعليم، واستخفاف بذات الطالب. كما ينم ذلك الفعل اللاأخلاقي عن عقلية المدرس ووعيه بفكرة التربية والتعليم، فمن يسخر من منتَجه لا يستحق أن يكون في موقع المربي والمعلم. وهو الأمر الذي يفسر جانباً عريضاً من أسباب هشاشة وضعف مخرجات التعليم. وللأسف لا ينتهي الأمر عند مرسل الرسالة الأول وهو المدرس. بل يتجاوز الأمر إلى فئات واسعة من المجتمع، فالكل يريد أن يسخر ويتهكم. ولذلك يعيد تدوير الرسالة ويبثها إلى أكبر شريحة ممكنة. لدرجة أن هذه الرسائل صارت فناً من فنون الإضحاك الذي يبحث عنه الناس ويتبادلون طرائفه، خصوصاً في مواسم الامتحانات. وكأن المجتمع يتحيّن أي فرصة ليضحك على خيباته. إلى حد تخصيص خانات في بعض المواقع الإلكترونية تمتلئ بسيل هائل من الصور المنسوخة لإجابات الطلبة المضحكة. وهكذا نجح بعض المدرسين المؤتمنين على وعي الطلبة في تحويل إجابات أبنائهم إلى مادة ترفيهية تسلوية. بعرض وعيهم القاصر والمرتبك على الملأ بدون أي رادع مهني أو أخلاقي. والأسوأ أن بعض الطلبة صاروا يتعمدون ارتكاب الأخطاء، ويتفننون في تقديم حماقات كلامية لتحظى بمقروئية في الفضاءات العمومية بالإضافة إلى أخطائهم العفوية. لقد تصدت مجلة (المعرفة) لما سمته بغرائب وعجائب إجابات الطلاب، وحاولت أن تقرأ الدلالات التربوية لتلك الهفوات، التي تشير إلى اختلال في التحصيل العلمي. إلا أن تلك الخطوة ظلت في حيز توصيف المشكلة. إذ لا يكفي استعراض النماذج، بل يتطلب الأمر رؤية تحليلية ومعالجة مدروسة. لأن عرض تلك الإجابات المثيرة للضحك لا يحل المشكلة بقدر ما يدفع الناس للبحث عن المزيد من عثرات الطلبة وترويجها. إن تلك الإجابات الساذجة الصادرة عن طالب كسول بقدر ما تبعث على الضحك تثير الشفقة والحسرة إزاء جيل من الطلبة ارتبط مفهوم التعليم في أذهانهم بالتساهل والغش والاستهبال. وهو استنتاج لم ينزرع في وعي هذا الجيل لولا رداءة بنية التعليم بشكل عام. على مستوى المبنى والمعنى. ولا يُفترض بالمدرس أن يكون مساهماً في تقويض العملية التربوية، والتنكيل بالطلبة من خلال تسريب إجاباتهم. وإذا كانت وزارة التربية والتعليم لم تصدر أي لائحة لتجريم المدرس في هذا الصدد، فالأولى أن يمتنع بإرادته عن ذلك الفعل اللاأخلاقي. فبعض المدرسين يمتلكون ما هو أخطر من الإجابات الطريفة، ويُخشى أن يتمادى الأخصائي الاجتماعي في لحظة من لحظات الغفلة والخفة الشعورية فيسرب مشاكل الطلبة النفسية والاجتماعية. وعندها تتمزق أواصر الميثاق بين الطالب وكل ما يتعلق بالعملية التربوية التعليمية. [email protected]