كنت مع مجموعة من الشباب وسألتهم عن التفكير والشعور الذي يأتي على تفكيرهم وإحساسهم عندما يسمعون كلمة «التعايش»؟ وكانت الإجابات تدور حول مجموعة من المفاهيم يطغى عليها الانهزام والتنازل والضعف ، مع أن مفهوم «التعايش» هو مفهوم قوة في أصله وليس ضعفاً ، وحتى الحيوانات التي تملك قدراً عالياً من التعايش مع ظروف البيئة المحيطة تبقى وتتكاثر ، والتي لا تتكيف مع من حولها تنقرض وتنتهي . نحن نعيش أزمة نفسية ومعرفية مع «الآخر» أياً كان هذا الآخر ، ونفترض أن السبيل للبقاء هو القضاء على هذا «الآخر» وإبادته حتى نعيش نحن ، مع أن السنة الربانية هي التعدد والتنوع ، فربنا عز وجل يقول في كتابه الكريم : ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) ، فالسبيل لنعيش ونبقى بشكل أفضل هي البحث عن التعايش الأمثل الذي سطره لنا الرسول العظيم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم . «التعايش» ليس معناه الاستسلام للآخر وإلغاء قانون المدافعة ، ولكنه القبول بالاختلاف واشعال الفاعلية الذاتية للمحافظة على دوائر الاتفاق ، والتعامل مع الخلاف على أنه جزء من المعادلة ، وليس الجزء الوحيد فيها . نحن نملك أدوات التعايش والتكيف لكننا لا نفعلها كما يجب ، فالسلبية تجعل من المتعايش شخصاً يبرر الوضع السيئ ولا يحاول تغييره ، والايجابية في التعايش تقول : تكيّف مع هذا الوضع ، واجتهد في تحسينه إننا نؤثر الانعزال مع الذين يشبهوننا حتى لا نتعايش مع الذين لايشبهوننا مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) ، فالانطواء في الأفكار لا ينشرها ، ومن يملك فكرة قوية لا يخاف عليها من مخالطة فكرة أضعف منها . نحن نملك أدوات التعايش والتكيف لكننا لا نفعلها كما يجب ، فالسلبية تجعل من المتعايش شخصاً يبرر الوضع السيئ ولا يحاول تغييره ، والايجابية في التعايش تقول : تكيّف مع هذا الوضع ، واجتهد في تحسينه. عندما نفقد ثقافة «التعايش» نضخم كل اختلاف ، ونبتعد عن أقرب الناس لنا ، ونعيش بريبة مستمرة مع كل الأطروحات في وسوسة تبحث عما وراء النيات . إننا بحاجة إلى لياقة «التعايش» حتى مع المرض -لا قدر الله- ، فتجدنا نعيش حالة من الإنكار عند وقوع المرض المزمن كالسكري والضغط ، ننتقل بعدها إلى غضب عارم خاج عن السيطرة ، ونعيش في حالة إحباط طويلة قبل أن نرضخ للوضع الجديد ، ولياقة التعايش تجعلنا ننفتح حتى مع أمراضنا ، ونفكر كيف نعيش معاً بأقل الأضرار . الحياة يا صديقي لا تأتي وفق ما نريد دائماً ، وعلينا أن نعيش ما نحب ونتعايش مع ما لا نحب ..