حدثني أحد الزملاء معاتبا إننا معشر الكتاب لم نعد نلتصق بالواقع وهمومه وغرقنا في مدائح ومحاباة لأسماء في ظنه لم تعمل إضافة جديدة أو مؤثرة, وصرنا نكتب في هوامش الأحداث بدلا من أساسياتها واعتبر الكتابة عن أسماء أو إصدارات معينة تمجيد وصقل لا يهم القارئ، ولقد حملت عتابه بكل حب لأنه تحدث بحروف مجروحة وكلمات مكلومة تنم عن غيره على الثقافة والمثقفين وأنا لا ألومه ربما خذلانه يوما وربما يستمر الخذلان ويتواصل، لأن المسؤول عن ترجمة الخذلان إلى فرق وشعب هم أنفسهم من صدموا بالواقع يوما فكلها إسقاطات تدور حول بعضها البعض وإفرازات لا نملك إيقافها ربما نحسن منها. عندما يخذلنا البعض نقف في حيرة بين الخوف والرجاء لعدم تكرار ما واجهنا من خذلان، وتبقى لغة التعاطي مع مجريات الأحداث اللاحقة حذرة ومتذبذبة، إذ تحمل هواجس لا يصح لنا تغافلها. أعتقد أن ثمة علاقة طردية بين المشكلات والإسقاطات النفسية وإفرازاتها لأن كل منها ناتج ضغط. المثقف الذي سخر قلمه وبذل طاقته لإخراج إصدار يلامس شيئا من ذائقتنا من واجبنا - من وجهة نظر شخصية - أن نحتفي به ببضع كلمات من باب الوفاء أقل ما يجب أن نتداركه هو ذلك الخط الفاصل بين التقدير والفهم للحالات الأكثر تذمرا، لأننا عندما نستطيع التحكم في هذه المسافة يقينا سندرك كيفية تجاوز أي عارض ربما يعطل الحركة. المثقف الذي سخر قلمه وبذل طاقته لإخراج إصدار يلامس شيئا من ذائقتنا من واجبنا - من وجهة نظر شخصية - أن نحتفي به ببضع كلمات من باب الوفاء وإشادة لهذا الجهد المؤثث لحصيلة من المطبوعات التي تضاف للمكتبة العربية وإثراء للنتاج المعرفي والأدبي والثقافي، لأن جملة ما يرصد في الكتب هو نقل حي وملامس للواقع إما عن تجربة شخصية أو معايشة لأحداث مجتمعية تنفست العناء. إن الرقي في التعامل مع الآخر يضعنا في خانة مميزة للسلوك ويغرس وردة بيضاء في القلوب دليل نقاء، لأن المصداقية هي سلم العبور للداخل دون حواجز. جميل هو العتاب عندما يتخلص من المساس الشخصي، ويتمكن من الفصل بين الفرد وسلوكه، لان الخلط يكبلنا بقيود صعب التخلص منها. إن الاعتراف بالفضل يمنح من نحب شعورا بالرضا، ويجعله في نشوة محفزة على الإبداع والمواصلة, أليس من واجبنا إنصاف من نحب؟