أصدرت مصلحة الإحصاءات العامة التابعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط تقريرها السنوي لمسح القوى العاملة لعام 2012، هذا التقرير كان ومازال يثير التساؤلات بالنسبة لي أكثر مما يجيب عليها، فكثير من الأرقام الواردة لا تبدو واقعية، وكثير منها يتناقض مع أرقام تصدرها جهات رسمية أخرى، وأكثر الأرقام المثيرة للتساؤل هي الأرقام المتعلقة بعدد (المشتغلين السعوديين من الذكور)، فالأعداد والتصنيفات لا تبدو منطقية، ويشعر الشخص لأول وهلة بأن من قام بإعدادها والعمل عليها ملأ الخانات اعتباطا، أو أنه أخفى بعض المعلومات تعمدا لهدف أو لآخر. أول رقم يلفت النظر هو إجمالي عدد السعوديين الذكور المشتغلين، حيث تشير النشرة إلى أن عدد هؤلاء حوالي 3.6 مليون سعودي، هذا الرقم لا يتسق مع إجمالي عدد الموظفين الذكور في القطاعين الخاص والحكومي، حيث يعمل في القطاع الخاص حوالي 700 ألف سعودي. أما القطاع الحكومي المدني فيعمل به حوالي 589 ألف، بينما يعمل في القطاع الحكومي غير المدني الذي يشمل القطاعين العسكري والأمني - حسب تقديرات غير رسمية - حوالي 700 ألف، وهذا يعني أن مجموع الموظفين من السعوديين الذكور في كل القطاعات لا يتجاوز 2 مليون سعودي، فكيف وصل رقم مصلحة الإحصاءات لأكثر من 3.6 مليون؟ هل يعقل أن لدينا أكثر من 1.6 مليون رجل أعمال سعودي متفرغ بما أنهم الوحيدون الذين لا يعملون بوظيفة ؟ وعندما ننظر لتصنيفات الموظفين ستزداد الغرابة وستزداد معها التساؤلات، فأكبر تصنيف في النشرة هو تصنيف الإدارة العامة، وبما أن المصلحة تدّعي استخدام المعايير العالمية في التصنيف، فهذا يعني أن تصنيف الإدارة العامة لموظفي الحكومة التي تشمل مهامهم إدارة الحكومة، بالاضافة للوظائف العسكرية والأمنية. عدد هؤلاء من السعوديين الذكور - حسب النشرة - يصل لأكثر من 1.56 مليون. وهذا الرقم لا يتضمن المدرسين ولا يشمل العاملين في القطاع الصحي، وهذان القطاعان من أكبر القطاعات الحكومية، حيث تشير نفس الاحصائية الى أن عدد السعوديين الذكور العاملين في مجال التعليم يصل لحوالي 579 ألفا. أما القطاع الصحي فالعدد يصل لحوالي 190 ألف، لذلك يبدو رقم 1.56 مليون كبيرا جدا، فعدد موظفي الحكومة من غير العاملين في المجال التعليمي ومن غير العاملين في القطاع الصحي لا يتجاوز 290 ألفا - حسب الأرقام المنشورة في وزارة الخدمة المدنية - وهذا يبقي من الرقم الإجمالي لتصنيف الإدارة العامة حوالي 1.27 مليون، فهل يعقل أن كل هؤلاء يعملون في القطاعين العسكري والأمني؟ أم أن الرقم المتداول للقطاعين العسكري والأمني - وهو 700 ألف - هو الصحيح ، لكن الرقم لعدد العاملين بالادارة العامة وضع اعتباطا ؟ سنحلل تصنيفا آخر لمعرفة دقة الأرقام، حتى نتمكن من الوصول لاستنتاج أفضل في مصداقية أرقام مصلحة الإحصاءات. بناء على النشرة فإن عدد العاملين في مجال التعليم من السعوديين الذكور هو حوالي 579 ألفا، وعند الرجوع لأرقام وزارة الخدمة المدنية نجد أن عدد العاملين في مجال التعليم من السعوديين في القطاع الحكومي هو حوالي 246 ألفا. أما في القطاع الخاص - وحسب أرقام وزارة العمل - فإن عدد السعوديين الذكور العاملين في مجال التعليم هو حوالي 40 ألفا، أي أن إجمالي العاملين في مجال التعليم من السعوديين الذكور لا يتجاوز 290 ألفا، فكيف وصل رقم مصلحة الإحصاءات لأكثر من 579 ألفا؟ الغموض الذي يلف أرقام مصلحة الإحصاءات لا يقتصر على هذا المسح المتعلق بالقوى العاملة فقط، بل إنه سمة مشتركة لأغلب تقاريرهم، المصلحة يفترض أن تكون المصدر الأول للمعلومات لكل ما يتعلق بالاقتصاد، فإذا كان المصدر الرئيس لتلك المعلومات ينشر بيانات غير دقيقة أو مضللة، فكيف يمكن التخطيط والاستعداد للمستقبل؟ وكيف يمكن إصدار أي قرار اذا كانت غالبية البيانات غير دقيقة؟ أما إذا كان هناك تعمّد في إخفاء الحقيقة، فتلك طامة كبرى، وسنحصد نتائجها السيئة إن عاجلا أو آجلا. @essamz