يتذكر اللواء طلعت مسلم الخبير العسكرى الذى تجاوز الثمانين من العمر رحلة التاريخ فى ارض الفيروز منذ كان ضابطا عاملا فى الجيش المصرى ويحمل رتبة الملازم ويسافر بالقطار من القاهرة مرورا بمدينة الزقازيقوالاسماعيلية ثم يعبر به القطار قناة السويس ليدخل عمق سيناء ليقطع مئات الكيلو مترات حتى يصل الى قطاع غزة حيث وحدته العسكرية ، وكان عليه أن يغلق شباك القطار من محطة الاسماعليه حتى دخول القطاع حتى لا يحدث اى احتكاك مع القوات البريطانية المحتلة المنتشرة هناك ، وذلك على الرغم من وجود الكثير من دفعته هناك ، وحينما كان يحمل معه اى سلع من غزة وهو فى طريقه للعودة كان المفتش الانجليزى فى القطار يحصل منها الجمارك .. وتمر السنوات واللواء مسلم يسترق النظر من خلف ستائر الشباك وهو ينظر إلى سيناء بعين الحسرة لوجود الاحتلال البريطانى ، الذى اضطر مصر ان تخفض عدد قواتها هناك فى يونيو عام 1953 ، وعلى الرغم من القحل والصحراء ، لكن كانت هناك علامات تقول بان هذه الارض يمكن أن تنبت الكثير من البناء والتنمية والتعمير ، فسد الروافع فى منطقة أبو عجيلة كان مشيدا قبل ثورة 1952 ، والمزرعة التجريبيه فى العريش كانت أحد المعالم الداله لنا على أن هذه هى ارضنا وان هذا المستعمر لابد ان يرحل يوما ولكن علينا ان نستعد لهذا اليوم الذى تقوم فيها سواعدنا بإعمار هذه الارض .. علاقة وطيدة بين الجيش والبدو ويحكى اللواء مسلم فى مقابلة خاصة مع « اليوم» أن العلاقة بين الجيش والبدو فى سيناء كانت وطيدة للغاية وكانت العمليات الفدائية هناك ضد الاحتلال مفخرة لكل مصري ، حتى جاء العدوان الثلاثى عام 1956الذى احتلت فيه سيناء لكنها لم تصل الى القناة فاستبدل الاحتلال الانجليزى بالاسرائيلى الذى غير ملامح المنطقة ، وابعدنا لسنوات ، لكن كان واضحا أنه سيعود ، فقد كنت أقرأ لافتات المحطات التى يتوقف فيها القطار باللغات الانجليزية والعبرية والعربية . ويستمر مسلم فى السرد ، سافرت الى الاتحاد السوفيتى للدراسات العليا العسكرية ، وعدت بعد احتلال اسرائيل عام 67 ، كانت الملامح تغيرت تماما ، وصلت اسرائيل للقناة ، ورفعت شريط القطار واستخدمت قضبانه فى تشييد خط بارليف وحتى كوبرى الفردان والمعديات والمساكن والمساجد لم اجد لها اى وجود ، وكنت اقوم مع الرفاق بالتوجه الى تلك غرب القناة ، فقمنا ببناء المصاطب للتعرف على ما الذى يجرى على الضفة الغربية ، وكنا نعد العدة ليوم ما لمواجهة هذا العدو ، وكان الحلم أن يمر قطار التنمية الى هذه الارض مرة أخرى وليس قطار الركاب والبضائع فقط وفعلا حققنا هذا عام 1973 . لكن استمرت رحلة تحرير الارض بالكامل عام حتى عام 1982 ، لكن منذ عام 1974 ونحن نعد دراسات للتنمية والبناء هناك ، ظللت حتى احالتى للمعاش أسأل لماذا لم تنفذ ، وكان من بين من سألتهم اللواء منير شاش الذى كان محافظا فى سيناء لسنوات ، لماذا لم تنفذ الخطط التى كنا نعدها قبل التحرير ، أين هى ، فلا يجد رد من شاش سوى انه كان يقنعه بأنه لا توجد اية ضغوط من اى طرف على عدم عمل تنمية ، وكان وراء هذه الاجابة اشاره ضمنية بأن معاهدة السلام التى ابرمت مع اسرائيل لم تكن هى العائق . اعتقد أنه لو فرشت هذه الملفات على الأرض لزادت عن مساحة سيناء التى تزيد على 350 الف كيلو متر مربع ، هذه المساحة الغنية بكل شيء ، واعنى ما اقول بكل شيء من الثروات الطبيعية . تراجع عن خطط التنمية رغم معارضة اللواء مسلم وغالبية رفاقة من العسكريين للاتفاقية التى حاولوا ان يتصوروا أنها مجرد هدنة لم تحقق سوى سيادة منقوصة الى اليوم لمصر ، إلا أنه يبحث وراء لماذا تتعطل التنمية هناك ، وهل وراء هذا مؤامرة ، طرح السؤال على محمود الشريف وزير التنمية الاسبق عندما عرضت حكومة عاطف صدقى مشروع للتنمية فى سيناء لكنه وبسرعة اختفى فى الادراج ، فقال له الوزير ، لا اعلم ما هو الدفاع الحقيقي وراء التراجع عن خطة التنمية . لم يعرف اللواء مسلم الدوافع ، ولا يعلم اللواء أركان حرب عادل سليمان الخبير العسكرى الذى كانت له رحلة مشابهة لسيناء خلال تاريخه العسكرى كضابط فى المخابرات الحربية ، لكنه يفسر الواقع المتردي فى سيناء خلال سرد رحلته هناك فى حديثه ل» اليوم» بالقول ، مصر كلها كانت تعانى من نخر سوس الفساد فى مفاصلها وطال التجريف كل مكان ، فلماذا تستثنى سيناء ، ومن يرى ان معاهدة كامب ديفيد كان لها تداعيات أعتقد انه واهم ، فاسرائيل تفعل ما تشاء ، هى عدو ، وعلينا أيضا أن نفعل ما نشاء ، لقد اعددنا دراسات لتنمية سيناء منذ عشرات السنوات ، وكنت أحد المشاركين فى غالبها ، واعتقد أنه لو فرشت هذه الملفات على الارض لزادت عن مساحة سيناء التى تزيدعلى 350 الف كيلو متر مربع ، هذه المساحة الغنية بكل شيء ، واعنى ما اقول بكل شيء من الثروات الطبيعية . بيئة خصبة لكل التنظيمات ويؤكد اللواء سليمان أن القوات المسلحة كانت تقدر جهود السيناويين فى كفاحهم المسلح ضد العدو ، وأنها ظلت على هذا العهد الى اليوم ، ويقول لكن « ما هو المطلوب من الجيش والكل يعلم أن مهمته هى تأمين الحدود ورفع كفاءته القتالية ، فالجيش ليس وزارة الزراعة التى عليها أن تذهب الى هناك لكى تستصلح الارض ، وليس هو وزارة السكان التى عليها أن تبنى المساكن ، لقد دخلت وزارة الداخلية واساءت لاهلنا فى سيناء أشد اساءة ، كانت قاسيه قبل الثورة ، وتركتهم بعدها ، هم يعرفون عاداتهم وتقاليدهم ورغم ذلك اذاقوهم المرارات ، وعاملوهم وكأنهم اغراب على ارضهم ونزعوهم من حضن الوطن، رغم احتياجنا اليهم بشده فى منطقة تعد استثناء فى أمننا القومى . لقد اصبحت سيناء بسبب هذا الفساد بيئة خصبة لكل التنظيمات ، يقول خبير أمنى كانت مهمته عمل دراسات امنية ضمن فريق امنى فى سيناء اعد فى مطلع الالفية دراسة حديثه للتنمية فى سيناء ، مكثوا هناك اسابيع درسوا الظروف البيئية والمجتمعيه ، وكان الافضل هو عمل « قرى دفاعية « استراتيجية لدمج سيناء فى المجتمع المصرى على ان تبقى له خصوصيته القبلية والعرقيه ، لكن لم تنفذ الخطط ، لماذا لم يدخل أبناء سيناء الكليات العسكرية ويكونوا هناك هم رجال الأمن. الرئاسة تجاهلت تقارير المخابرات و جاءت أحداث تفجيرات دهب وشرم الشيخ عام 2005 ، وقلبت الدفة يقول الفريق حسام خير الله وكيل أول المخابرات العامة فى ذلك الوقت فى حديث مع « اليوم » ، وقدمت المخابرات العامة للرئاسة تفاصيل كاملة بأهمية تعمير وتنمية سيناء ، تراعى خصوصية البيئة الثقافية والحضارية ، وتحتضن الاهالى وتخرجهم من قمع وزارة الداخلية بلا مبرر ، لكن الرئاسة تجاهلت تقارير عكفت المخابرات عليها لعامين ، واخذت بتوصيات تقارير وزارة الداخلية بان هؤلاء البدو لا يجب التعامل معهم سوى بقسوة، فمورست عليهم كل انتهاكات حقوق الانسان ، وكان تقدير الرئاسة أن خطة المخابرات تحتاج لوقت ، بينما وزارة الداخلية ستحسم الاشكاليات من بوادر ظهور الارهاب ، وتجارة المخدرات ، وتهريب البشر الى اسرائيل ، ورحلات الروس المشبوهة، والشركات التى تتستر وراءها أعمال مخالفة للقانون ، لكن ما حدث كان العكس تورطت بعض عناصر الامن التابعين لوزارة الداخلية فى تلك الانشطة ، بل وفى زيادة هذه الانشطة سواء فى الاتجار فى السلاح ، أو فى التعامل مع العابرين من معبر رفح حيث أصبحت هناك تعريفه خاصة لهذا المرور ، وتوطن الفساد هناك وكان أمر من ذي قبل من سنوات المرارة . عشش السكن البسيطة ذهبنا الى سيناء ، والتقينا مع الشباب وسط عشش السكن البسيطة ، حكى لنا أبناء قبيلة السواركة ، والمرارة فى حلوقهم كيف كانت تلك المعاملة الامنية الفظة ، يحكى أحدهم وهو شاب ثلاثينى عن تجربة خاصة فى الاعتقال دامت 21 يوما رحل فيها من العريش الى القاهرة معصوب العينين حتى عاد الى هناك دون أن يدرى لماذا رحل ، ولماذا عذب ، ولماذا لم يحقق معه ، لكنه ادرك أن حلمه فى عبور كوبرى السلام للعمل فى أحد المطاعم بالقاهرة تبخر ، رغم انه اعد لتلك الرحلة كل ما ادخره من الرعي بما لا يزيد عن 300 جنيه لم تكن هى المشكلة ، لكن المشكلة أنه كان يعتقد أنه يحتاج لتأشيرة لعبور كوبرى السلام . تركنا الشباب الذين لا يزالون مقتنعين بأن بينهم وبين أمثالهم من ابناء الوادى والدلتا حواجز لم تزيلها ثورة الخامس والعشرين من يناير رغم العناوين العريضة التى حملها لهم كل مسؤول قادم من القاهرة ، وتوجهنا الى الشيخ ابراهيم المنيعي ممثل مجلس القبائل ، والأكثر احتكاكا مع القوات المسلحة ، حيث شارك فى كل اللقاءات الكثيرة التى عقدت مع الجيش خلال الاونة الاخيرة ، والتى كانت معظمها تبشر بأن عهدا جديدا سيبدأ مع نظام ما بعد الثورة المنتخب . الثورة القادمة ستكون من هنا بدأنا بتحية الشيخ المنيعى على خلفية عيد تحرير سيناء ، لكنه وبكل بشاشة ، بادرنا بصدمة فى رده التحية ، متسائلاً وهل تحررت سيناء ؟ إذا كانت سيناء تحررت فعلا فعلينا أن نحرر الانسان أولا ... لقد أخذنا وعودا كثيرة من الجهات السياسية ومن الجيش لكنها ذهبت ادارج الرياح. طلبنا تقوية شبكات المحمول ، طلبنا بناء مساكن ، طلبنا تعمير فى البنية ، اين ، طلبنا مراجعة الموقف من قرار تمليك الاراضى ، تقوية شبكات الكهرباء ، المدارس ، المصالح الحكومية ، المرافق ، لا شىء بل على العكس تزداد الامور سواء، فلبناء مسكن يطلبون منا تراخيص ، ولتوصيل كهرباء يطلبون منا اوراق التراخيص ايضا ، من اين نأتى بها لقد وجدنا نفسنا على هذه الارض بكل رحابة لماذا التعقيدات التى تتزايد اليوم تلو الاخر ، هل من المعقول أن تسن الحكومة قوانين لتعقيد مواطنيها والتضييق عليهم فى وقت الضعف الذى تمر به الدولة .. ؟ ولمصلحة من الابقاء على هذه المعاناة لنا ولذوينا ألسنا نبت هذا الوطن ؟ لقد طلب مني احد رجال الاعمال الوطنيين من ابناء سيناء مساعدته فى انشاء مصنع رخام ، لم نستطع أن نحصل له على ترخيص، ومن هذا المثال كثير سواء فى التعامل مع الثروة السمكية او غيرها من الثروات التى لدينا . وعكس الشيخ المنيعي تطورات الاوضاع السياسية التى لم يختلف منها سوى غياب الشرطة، التى تعمل داخل الاقسام ولا يمكن لها أن تخرج منها لنجدة اى مواطن، حتى فى مديرية الامن فى شمال سيناء وليس فقط فى الاقسام التابعة لها واهمين من ان هناك من سيثأر منهم لتاريخهم الحافل بمداد السواد . ويقول القيادة السياسية تعى جيدا ما الوضع السياسي والمجتمعي الراهن بكل تفاصيله لكن اين هى ، هل هناك من يد تعبث فى سيناء ولا ندركها . لم تكن هذه هى نبرة الشيخ المنيعي الذى التقيناه كثيرا وهو يوزع التفاؤل على ابناء القبائل ، ليضيف « لقد دعينا الى حفل البحث العلمى العسكرى فى الاسماعيلية ، والاغلبية من المشايخ لم تذهب ، لأنه ما الفائدة من الذهاب ، لم يعد بوسعنا استمرار الانصات الى مزيد من الوعود ولن ندخل فى حوارات السمر مع الاجهزة والحكومة بدعاوي مبادرات التنمية ، الثورة القادمة ستكون من هنا» . ويكشف الشيخ المنيعي ، أن معنى سيناء أمن قومي لمصر باتت كلمة ماسخة فى الافواه ، بلا طعم ولا لون ولا رائحة ، والدولة الغائبة هى السبب، مضيفا، الجيش طلب أن تكون هناك مساحة خمسة كيلو مترات خاليه فى رفح لعمل منطقة عازله هناك ، كيف هذا وهناك 75 % من أبناء رفح فى هذه المنطقة الحدودية ، هل فعلت اسرائيل هذا، لا توجد اى قوة مهما كانت على الارض ستزحزحنا من هنا .لكن الدكتور محمد مجاهد الزيات يقول انه من الصعب قبول هذه الفكرة ، فكل ما سيفعله الجيش فى هذه المنطقة هو عدم التملك لاسباب تتعلق بالامن القومي حيث لا يسمح للفلسطينيين والاسرائيليين بالتملك فيها . المنطقة العازلة ولكن يرفض المنيعي أن يكون الهدف من هذه المنطقة العازلة هو انهاء الانفاق الحدودية الواصلة مع قطاع غزة والتى تصدر لسيناء ولمصر كوارث امنية ، ويقول ، لو ارادوا اغلاق الانفاق لاغلقوها فى شهرين دون الحاجة لهذا الامر ، لكن هناك مؤامرة داخلية أو خارجية مقصدها نحن ابناء سيناء، لماذا تصور سيناء اليوم على أنها «افغانستان «مصر وأن جبالها تورا بورا ، ألم تسمح هذه الاعمال العدائية بتنمية المشاعر العدائية لدى البعض ، حتى تعتقد امريكا أنها عليها أن تقوم بمكافحة الارهاب فيها ، والقاعدة التى يحذرون منها هى فكر موجود لدى كثيرين فى الشرق الاوسط ، وفى مصر فى كل مكان تجد من تستهويه الفكرة ، وليس فى سيناء فقط ، ورغم أن عدد هؤلاء الخارجين فى سيناء لا يتجاوز المئات ويمكن صدهم عبر الاجهزة الامنية المتقاعسة ، إننى اتمنى على رئيس الجمهورية أن يتخذ موقفا وسياسة تنتصر لنا وتخرجنا من هذا الظلم .