سألني أحد المسنين.. «العتقيين» القابعين في احدى الزوايا الاربع لا يهش ولا ينش.. ويتحدث غالبا بعينيه لا بلسانه فهو يخاف «زلة اللسان» و»البهدلة» كما يرى في آخر العمر!! قال: لماذا لا تدافع عن نفسك وعن حقك وانت من تبقى لنا او من بين اولئك الذين كنا نعشق متابعتهم وانقرضوا؟. قلت له: ضاحكا ومازحا: أيها الكهل البائس الملقى في منفضة هذا الزمن التعيس.. ماذا تود مني ان افعل.. ثم ألا تدرك ان اسخف قرار يتخذه الانسان هو ذلك القرار الذي يبدأه بالترافع عن نفسه.. والأكثر من هذا ألمًا.. هو ان نتبادل تحايا الموت عند حافة القبر. قال: وقد انحنى رأسه واغرورقت عيناه بالدموع.. واكتست سحنته الرمادية بظلال الموت: يا أخي أنت هكذا ترهقنا.. وتدفعنا دفعا قاسيا إلى سماء معتمة رغم سعتها.. ولا تريد ان نعيش ما تبقى لنا بالقليل من الأمل.. والحلم.. ما الذي غيرك.. وقد كنت تملأ هذه الدنيا ضجيجا.. وصخبا.. وتفاؤلا.. وضحكا.. وجنونا.. قلت: لقد رأيت تلك الكتل الشيطانية تزحف حتى كادت تفرقنا والخطر يثقل نفوسنا.. وما عاد أحد يرى إلا وجهه فحسب ومصالحه فحسب.. لم يعد احد يهتم بأمر احد.. ان العديد من الناس يتدافعون خلف هذا السياج.. ويتبادلون حصاد الموت في سبيل اهوائهم واطماعهم.. معتقدين انه حصاد الحياة. تأمل سحنهم القاسية التي لا تعرف الرحمة.. وفي زحمة هذا الفناء كيف يمكن ان تحيا.. او أن تضحك او تتجاوز تلك الجثث السمينة والمتخمة بالعفن في الطرقات.. لقد انتزعوا حتى البسمات من على وجوه الاطفال.. لقد رأيت احد الاباء المثقلين بخمسة من هؤلاء الصغار يقف على بوابة احدى مدن الملاهي حائرا متوسلا لقد طلبوا منه عند الدخول خمسين ريالا عن بسمة كل طفل يود ان يضحك او يلهو او يلعب.. وخمسين لكل اب بائس لا يعرف الضحك ولا اللعب. أليست البلدية قادرة في كل مدينة وفقا لدخولها من الضرائب والغرامات ان تنشئ ملاهي.. في حدائقها العامة.. وتحسين مرافقها.. بدلا من تأجيرها الذي يفتح ابوابا متسعة لاستغلال الناس ونهبهم فقال لهم محتجا: انتم تأخذون أجرا لكل فرح يرتسم على وجه طفل فلماذا لا تأخذون اجرا ايضا على هموم الكبار الذين تنوء كواهلهم بهموم صغارهم.. ولم يجبه احد!! وصرخ آخر يجر خلفه اطفاله من حيث أتى.. والله ان هذا ظلم.. لقد اكل صاحب هذه الملاهي كل شيء وهو يتاجر في كل شيء.. ولم يبق على شيء ابتداء من قوتنا.. الى سكننا حتى وصل الى انتزاع البسمة من على وجوه اطفالنا.. أين الحكومة من افتراء هذا الرجل.. الذي يأخذ رسوما باهظة عند الدخول.. وندفع ايضا اجورا باهظة لبعض الالعاب في الداخل.. انه كالمنشار يفرمنا من الداخل والخارج والبلدية الصامتة صمت الحجارة لا تحرك ساكنا.. لقد منحوا هذا التاجر حق نهب العباد والبلاد لمدة ثلاثين عاما قادمة واجروه حديقة كان يلهو فيها الناس بأطفالهم بالمجان.. لقد باعوا المرافق العامة علنا وعلى رؤوس الاشهاد.. فهل الذنب ذنب هذا الطامع في الربح الفاحش؟ أم ذنب الحكومة ممثلة في البلدية التي باعت له افراح الناس ليحيلها الى غم وهم وحزن.. ثم أليست البلدية قادرة في كل مدينة وفقا لدخولها من الضرائب والغرامات ان تنشئ ملاهي.. في حدائقها العامة.. وتحسين مرافقها.. بدلا من تأجيرها الذي يفتح ابوابا متسعة لاستغلال الناس ونهبهم والادعاء بعد ذلك انهم يمارسون اعمالا مشروعة بموجب عقود دائمة بين ايديهم منحت لهم من اجل استغلالنا.. والسؤال ببساطة كيف نضحك.. وكيف نفرح واطفالنا عند ابواب هذه الملاهي الجشعة يبكون.. ولا أزيد.