تناولت في المقال السابق التعاونيات كحل جيد لمشكلة البطالة بالمملكة، وقد تلقيت رسائل عديدة تطالبني بتوضيح أكثر للموضوع، وبالتأكيد المساحة المطروحة لا تكفي لتناول الأبعاد المختلفة للتعاونيات التي صارت قاطرة للاقتصاد بالكثير من بلاد العالم، فعلى المستوى الاقتصادي، حافظت التعاونيات على موقعها بصدارة الاقتصاد برغم الأزمة العالمية الحادة حتى رآها الكثير من الخبراء بديلا منطقيا للرأسمالية التي تواجه رياحا عاصفة تشكك بقدرتها على الصمود، فطبقا لتقرير الأممالمتحدة الاقتصادي 2012، تنتج وتسوق التعاونيات أكثر من نصف الإنتاج الزراعي بأوروبا، كما تبلغ نسبة الإنتاج التعاوني للألبان ما يقترب من 100% بهولندا، و57% من الخضراوات، أما اليابان فكل الأسر الريفية تقريبا أعضاء بتعاونيات زراعية، أما بأمريكا فالنظام التعاوني يتقدم بخطى سريعة حيث يسيطر عندنا في المملكة العربية السعودية نما النشاط التعاوني بها خلال السنوات الماضية بشكل جيد وان كان أقل من المرجو، فقد بلغت التعاونيات 160 جمعية موزعة على أنشطة الزراعة، والتسويق، وصيد الأسماك، وبلغ حجم رأسمالها أكثر من 170 مليون ريال، وحجم تعاملاتها المالية 380 مليون ريال على ربع إنتاج القطن، و15% من الحبوب والأعلاف، والتعاونيات الأمريكية صارت مسئولة عن 12% من الصادرات الزراعية. أما على المستوى السياسي فالخبراء يعتبرون النظام التعاوني مدارس راقية للديمقراطية المباشرة، حيث يقوم المواطنون من خلال هذا النظام باتخاذ القرارات بشكل مباشر من الأعضاء، ويقوم الجميع بقسط من العمل يتكامل مع الآخرين لتحقيق الأهداف الموضوعة من المشاركين بشكل ديمقراطي بعيدا عن السلطة المركزية ودون وصاية من سلطة الدولة، وقد ساهمت التعاونيات بالفعل في حل جزئي لمشكلة البطالة خاصة لمن استغنت عنهم المشروعات الحكومية حيث أسسوا تعاونيات للتعاقد على العمل وأصبحوا يقدمون الخدمات الفنية للمشروعات التي كانوا عمالا بها من قبل، فجمعيات التعاقد تقوم بصيانة شبكات الطرق بالمشاركة مع الدولة، أما عندنا في المملكة العربية السعودية فقد نما النشاط التعاوني بها خلال السنوات الماضية بشكل جيد وان كان أقل من المرجو، فقد بلغت التعاونيات 160 جمعية موزعة على أنشطة الزراعة، والتسويق، وصيد الأسماك، وبلغ حجم رأسمالها أكثر من 170 مليون ريال، وحجم تعاملاتها المالية 380 مليون ريال، لكن التقارير الرسمية لا تقدم لنا معلومات كافية حول حجم العمالة وتوزيعها وقابليتها للزيادة، كما تتركز غالبية التعاونيات السعودية بالنشاط الزراعي مثلها مثل غالبية بلاد العالم، فالزراعة بيئة خصبة للنظام التعاوني بالتأكيد حيث يسهل معها استخدام الميكنة على نطاق واسع مما يزيد من إنتاجية الأرض، كذلك التسويق الذي يعتمد على الإنتاج الزراعي، ونحن بحاجة بالفعل بالمملكة للتوسع التعاوني بقطاع الزراعة والذي دعمته الدولة بمبلغ 140 مليون ريال، أما التسويق فيحتاج لتشجيع أكثر للفائدة الكبيرة بالمحافظة على مستوى الأسعار حيث يختصر عمليات التبادل التجاري الكثيرة بعمليتين فقط هما الإنتاج والتوزيع، وبعيدا عن قطاع الزراعة بتنوعه أي بإضافة الزراعة السمكية والصيد، يتوسع النظام التعاوني بالعالم بشكل مطرد ويتنوع النشاط ليشمل السكن، والخدمات، والصناعات الصغيرة، وهذا التنوع ما نحتاجه بالمملكة خلال المرحلة الحالية والقادمة، فمشكلات مثل السكن يمكن للتعاونيات أن تعمل على حلها بشكل أفضل كثيرا من نظام المقاولات السائد، خاصة أن النظام التعاوني مستمر وليس مؤقتا فهو يحافظ على الصيانة الدورية والتطوير، كذلك الخدمات المحلية حيث أثبتت التعاونيات فاعلية رائعة بتقديم الخدمات المحلية من خلال جمعيات تضم أصحاب المصلحة، ويبقى النظام التعاوني كما أعتقد وسيلة مناسبة لحل مشكلة البطالة، حيث تستوعب الكثير من الأيدي العاملة بشكل غير تقليدي، فكل عامل شريك بالإنتاج والأرباح مما يساهم في الاستقرار النفسي. [email protected]