أكاد اجزم أن موجة الغلاء ترتفع بنسب متماثلة كل عقد من الزمن فهي تستعر ولا تهدأ سواء كان حال السوق جيداً أو خلافه ورغم كل التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها إلا أن ارتفاع الأسعار هو الثابت في كل مضامين التغيرات الأخرى. الغلاء كما نعرفه هو ذاته الذي يطلق عليه الاقتصاديون اسم التضخم الاقتصادي ويُعرّفونه على انه ارتفاع الأسعار نتيجة فجوة بين أسعار السلع وحجم الدخول المتاحة للإنفاق، وسببه الارتفاع المهول في أسعار المنتجات المباعة، أو ارتفاع التكاليف، وينتج عنه بالتالي تدني مستوى المعيشة للفرد أو الأسرة ويترتب عليه العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. التقيت إحدى الأمهات يوماً في احد الأسواق «السوبر ماركت» لتشتكي لي سيل همومها المنحصرة في الغلاء الفاحش، تقول الأم التي تربي أربع بنات بين الطفولة والطفولة المتأخرة، إنها ورغم اقتصار ميزانية البيت على الأساسيات إلا فيما نذر غير إن صافي الدخل لا يبقى منه شيء حتى آخر الشهر، وحين سألتها أين يذهب أخذت تقسم لي بأغلظ الأيمان أنها صادقة فيما تقول وان دخلها الذي تأخذه براتب متقاعد، ودخل زوجها يتسرب كالماء من بين الأصابع والسبب الأسعار المشتعلة التي تلف السوق, لتنهي كلامها بسؤال لا املك له إجابة «أنزين والحل، نروح نطر يعني؟». لا اُكذّب السيدة التي بدت لي تدخل في متاهة نفق لا نور له حين ابتدأت حديثها معي بالسؤال عن حقيقة خبر إيقاف علاوة الغلاء خلال الأيام القادمة!!، بالفعل فما يحدث في السوق من جنون الأسعار يستوقف أي عاقل. وفي الوقت الذي ترتفع الأسعار مضاعفة كل عامين إلى ثلاثة أعوام يبقى الراتب كما هو، ناهيك عن تعرض عدد من الشركات لهزات مالية تسببت في تسريح العديد من العاملين فيها أو خفض رواتبهم، ولا ننسى المفصولين والعاطلين الذين هم في الأساس يبحثون عن عمل، فكيف يدبر هؤلاء أمورهم؟ في أوطاننا الهم الأكبر يتجلى في أن هناك ظاهرة احتكار غريبة يمتهنها التجار فأما التاجر فيكون محتكرا للسلعة فيسيطر على أسعارها بهواه، أو أن التجار يتفقون بمجملهم على رفع السعر أو يتشاركون في رفعه حين يرون أن زميلهم قد رفع سعر منتج بعينه. الغلاء أو التضخم يلف كل قطاعات السوق ابتداءً من إيجار المساكن وانتهاء بالخضروات والفواكه، والأمر يحتاج إلى معادلة عادلة بالطبع فالناس بدأت تتذمر من شكوى الغلاء بطريقة غير معهودة، فلم يبخل الاقتصاديون منذ العشرينيات في إيجاد حلول لمشكلة الغلاء والتضخم التي تتبعها اغلب الدول المتقدمة اليوم، ماذا يعيب دولاً نفطية في تبنيها؟.