قبل أيام فقد الوطن أحد أبنائه الذين كانوا من أوائل المتخصصين في مجال الطيران في بلادنا.. هو الكابتن أحمد مطر المدير العام الأسبق للخطوط السعودية والذي حقق لها نجاحات باهرة وضعتها في مقدمة خطوط الطيران التجاري على المستوى الإقليمي والعالمي.. وهو ابن الأحساء إذ احتضنته بلدته الطرف في طفولته وشبابه، وأهدته للوطن الغالي رجلا طموحا ورائدا من رواد الطيران التجاري، وقد تلقى تعليمه وتدريبه على الطيران في الولاياتالمتحدةالأمريكية لينال أعلى الدرجات، ويتدرج في الخطوط السعودية ليتوج سعيه واجتهاده بأن يصبح مديرها العام ولمدة أربعة عشر عاما إلى إن طلب إحالته للتقاعد، دون أن تنقطع علاقته بزملائه في الخطوط السعودية حيث ظل على صلة وثيقة بهم، والاهتمام بشؤونهم حتى بعد تقاعده.. ومع أنه كان المدير السادس لهذه المؤسسة العملاقة إلا أن عهده شهد تطورا ملحوظا للخطوط السعودية، ولا عجب فهو ابن الطيران منذ تخرجه مساعد طيار لطائرات الداكوتا وبرتبة متقدمة على زملائه حيث كان الأول بينهم، إلى أن أصبح طيارا ومدربا على طائرات البوينج والترايستار.. وقد وصل إلى منصبه كمدير عام بعد أن تولى عدة مناصب في الخطوط السعودية وكان آخرها مساعدا للمدير العام.. قبل توليه منصب المدير العام. إنه ابن القرية الذي قاد الطائرة العملاقة في وقت مبكر من تاريخ الطيران في بلادنا.. رجل عصامي شق طريقه إلى العالمية بإصرار لا يعرف التراجع، وثقة لا تعرف التخاذل، وإقدام لا يعرف التردد، وهذه درجات في سلم النجاح لا يرقاها إلا أولو العزم من الرجال المؤمنين بقدرتهم بعون الله على تحقيق آمالهم العريضة وطموحاتهم الكبيرة.والقريبون من الكابتن احمد مطر يعرفون اتساع أفق الجانب الإنساني في حياته، وتمثل ذلك في اتساع رقعة معارفه وأصدقائه باتساع رقعة الوطن والعالم، حيث كون دائرة واسعة من المعارف والأصدقاء، لا يمكن أن تتكون إلا لمن وهبهم الله محبته.. فحبب الناس إليهم، وما زرته يوما في منزله بجدة، إلا ووجدت مجلسه عامرا بالأصدقاء بعد تقاعده كما هم قبل تقاعده، وربما أكثر، بعد أن زالت رهبة التعامل بين الرئيس والمرؤوس، لتبقى ثقة الصديق بصديقه، واحترام الأخ لأخيه، ولتظل العلاقات الإنسانية الحميمة أكبر مكسب للإنسان، وكان يأسر محدثه بابتسامته الرقيقة، وثقافته الواسعة وحرصه على تقدير من يتحدث إليه كبيرا كان أو صغيرا، وكثيرون ممن عملوا معه ذكروا بالخير دقته في العمل، وانضباطه في الإدارة، ولعل هذه الدقة وهذا الانضباط هما من تأثير عمله في الطيران، لأن الطيار المؤتمن على أرواح مئات الركاب في طائرته.. لا يمكن أن يتساهل في أدق التفاصيل التي تضمن سلامة الركاب ووصول الرحلة إلى وجهتها المعينة بأمان واطمئنان، وكان غيورا على سمعة الوطن، والحرص على رفع رايته في المحافل الدولية، فجاءت خطوات تطوير أسطول الخطوط السعودية مواكبا للحراك التنموي الذي كانت تعيشه البلاد، ومنسجما مع المكانة المرموقة للمملكة في العالمين العربي والإسلامي، ومعبرا عن النهضة الشاملة في البلاد. وقد عرفت الكابتن أحمد مطر عن قرب، وعرفت فيه الكرم والتواضع والهدوء المعبر عن الثقة بالنفس واحترام الآخرين، وأذكر أن قرى الأحساءالشرقية في بداية الثمانينيات الميلادية كانت محرومة من الكهرباء، وكانت بلدته (الطرف) السباقة لتأسيس شبه شركة كهرباء محلية أمتدت طاقتها إلى بلدتي (الجشة) الجارة الثانية للطرف بعد (الجفر) وكان كلما التقينا يقول مازحا: إن لم تكتب عن (الطرف) كما تكتب عن (الجشة) سنضطر لقطع الكهرباء عنكم. وذات رحلة صحبته فيها إلى أمريكا مع مجموعة من الصحفيين منهم الدكتور هاشم عبده هاشم وخالد المعينا وجاسر الجاسر غيرهم ممن لا أذكرهم الآن، عرفت اهتمامه بالصحافة والصحفيين وأكد حينها للجميع أن الصحافة هي مرآة الواقع، ونقدها البناء هو أحد الوسائل الناجحة لعلاج الخطأ وتعديل مسار العمل، إلى الطريق الصحيح، وكان حريصا على قضاء وقت كبير معنا رغم مشاغله حينها بمتابعة إجراءات استلام عدد من طائرات البوينج العملاقة التي قامت الخطوط السعودية بشرائها، وفي رحلة العودة قاد الكابتن أحمد مطر إحدى هذه الطائرات.. إنه ابن القرية الذي قاد الطائرة العملاقة في وقت مبكر من تاريخ الطيران في بلادنا.. رجل عصامي شق طريقه إلى العالمية بإصرار لا يعرف التراجع، وثقة لا تعرف التخاذل، وإقدام لا يعرف التردد، وهذه درجات في سلم النجاح لا يرقاها إلا أولو العزم من الرجال المؤمنين بقدرتهم بعون الله على تحقيق آمالهم العريضة وطموحاتهم الكبيرة. رحم الله الكابتن أحمد مطر، فقد كان ملء السمع والبصرفي حياته، وسيظل بعد رحيله ملء القلب والفؤاد لدى كل من عرفه من أهله وأصدقائه ومعارفه.. رحم الله الكابتن أحمد مطر، وأسكنه فسيج جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.