روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من رابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإِنما التصفيق للنساء) وقد استدل بهذا الحديث بعض الفقهاء على أن التصفيق محرم على الرجال وأنه مقصور على النساء، للحصر الوارد فيه (بإنما) فكأن معناه: لا تصفيق إلا للنساء؛ وخالفهم آخرون فأباحوه للرجال خارج الصلاة وهو الراجح وهو حديث طويل جاء في أمر الصلاة؛ وليس عاما، وقد رواه أحمد وأصحاب السنن مطولا، وفي آخره : (إذا نابكم في صلاتكم شيء فليسبح الرجال، وليصفح النساء) وأسانيده صحيحة والتصفيح كالتصفيق وزنا ومعنى. صور التصفيق خارج الصلاة تختلف باختلاف نية المصفقين وحالهم، وحكمه يختلف من حال إلى حال فإذا لم يكن تعبدا ولم يقصد التشبه وكان لابتهاج وتشجيع ونحوه فهو باق على الإباحة، وقد قال بذلك جمع من الفقهاء، ومن المتأخرين ابن عثيمين - رحمه الله - فجواز التصفيق للرجال خارج الصلاة هو القول الراجحوظاهر الحديث لا يؤخذ منه التسوية في حكم التصفيق داخل الصلاة وخارجها، وبقاء هذا الاحتمال كاف في بطلان الاستدلال به على تحريمه على الرجال خارج الصلاة، فقصره على النساء محمول على حكمه في الصلاة. أما خارجها فهن والرجال في الحكم سواء، والنهي عن التصفيق خارجها بحاجة إلى دليل آخر يستدل به على المنع. أما من منع التصفيق على أنه من التصدية التي هي عمل المشركين وفي ذلك تشبه بهم لقوله تعالى: ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ) فمردود بأنه استدلال غير تام لأن ذلك كان يفعله المشركون على وجه التعبد والقربة لله، وهو لا شك في تحريمه. أما ما لم يكن على وجه التعبد فباق على الإباحة. كما أن التشبه لابد فيه من نية. كما أن التصفيق لو كان تشبها بأهل الشرك لما أرشد النبي عليه السلام النساء للعمل به إذا نابهن شيء في الصلاة ولو كان تشبها بأهل الشرك مطلقا لما فعله (صلى الله عليه وسلم) خارج الصلاة كما جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اعتزل نساءه شهرا فخرج إلينا في تسع وعشرين فقلنا إنما اليوم تسع وعشرون، فقال: (إنما الشهر هكذا وهكذا) وصفق بيديه ثلاث مرات وحبس إصبعا واحدة في الآخرة، ومثل ذلك تحريمه لأن فيه تشبه بالنساء فإنه لا يتم لأنه لابد من توافر النية فيه ولأن رسول الله قد فعله كما في حديث جابر المتقدم؛ والواقع أن التصفيق يقع من الناس على أوجه مختلفة لا يقصد منها التشبه بالنساء ولا المشركين، فالحديث يتحدث عن أمر التسبيح والتصفيق في الصلاة، وليس خارجها، كما دل على ذلك الرواية عند مسلم في صحيحه التي جاء في آخرها : (وزاد : في الصلاة)، وروى مثلها أحمد في مسنده عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة) لذلك أورده شراح الحديث في أبواب الصلاة وبوب عليه النووي بقوله : (باب تسبيح الرجل، وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة )؛ ويؤكد رجحان ذلك أن إرشاد النساء بالتصفيق في الصلاة إذا نابهن شيء يدل على جواز التصفيق في ذاته ولو كان محرما لذاته لما أذن به مطلقا، فضلا عن أن يأذن به لهن في الصلاة؛ وسبب ورود الحديث يصحح ذلك وأنه مختص بالصلاة؛ ويؤكد ذلك أن قصر التسبيح للرجال داخل الصلاة لا يدل على منعه للنساء خارجها، فمثله التصفيق فقصره على النساء داخل الصلاة لا يدل على منعه للرجال خارجها وصور التصفيق خارج الصلاة تختلف باختلاف نية المصفقين وحالهم، وحكمه يختلف من حال إلى حال فإذا لم يكن تعبدا ولم يقصد التشبه وكان لابتهاج وتشجيع ونحوه فهو باق على الإباحة، وقد قال بذلك جمع من الفقهاء، ومن المتأخرين ابن عثيمين - رحمه الله - فجواز التصفيق للرجال خارج الصلاة هو القول الراجح. [email protected]