أصبحت الصين ثرية تنافس أكبر الاقتصادات، بل ان الصين "الشيوعية" هاجمت أمريكا في عقر دارها وسلبتها أسواقاً ووظائف. لم تكتشف الصين حقولاً للنفط لتصبح ثرية بعد فقر، بل أحدثت تغييراً في سياساتها الاقتصادية أي في طريقة إدارة اقتصادها، ليس أكثر. الحديث اليوم ليس عن الصين او حتى عن الاقتصاد بل ان المال لا يحل المشاكل ولا حتى الكثير منه. نعم، قد يغطي المال المشاكل لكنها سرعان ما تعود بعد أن "يذوب" المال او يتبخر. السياسات هي القواعد والمواقف والتدابير التي تتخذها المؤسسة أو الشركة أو حتى الحكومة للتعامل مع قضايا معينة سواء كانت "نوازل" او من الأمور المستقرة عبر الأجيال. والسياسات قد تعنى بأدق الأمور تفصيلاً، كسياسة شركة ما فيما يتعلق بغياب الموظفين بدون إذن، او سياسة الحكومة تجاه العاطلين عن عمل او تملك المنازل. خلال الأربعين عاماً الماضية انطلقت بلدان من عقال الفقر والعوز، والاعتماد على الموارد الطبيعية الزراعية إجمالاً، وتمكنت بفضل إحداث تغييرات في سياساتها الاقتصادية أن تنعتق من أغلال اقتصاد يعتمد على الجهد العضلي وما تجود به الأرض إلى الجهد العقلي وما يجود به الفكر. والأمثلة كثيرة على قدرة التعديل في السياسات على إحداث قفزات نوعية كثيرة وصارخة، خذ مثلاً كوريا (الجنوبية طبعاً) التي كتب سفيرها قبل أسابيع قليلة مقالاً في صحيفة الرياض معترفاً بأن العقود السعودية التي حصلت عليها الشركات الكورية كان لها الأثر في إنطلاق الاقتصاد الكوري بعد ذلك، وبالقطع فالصين أكثر الأمثلة لمعاناً فقد أحدثت تحولاً بارعاً هائلاً مكنها من الخروج من الحرب الباردة منتصرة .. وعلى النقيض منها تفتت الاتحاد السوفيتي فأصبح أثراً بعد عين. والصين تمكنت من فعل كل ذلك ليس بالمال بل بتبديل وتعديل سياسات قائمة واجتراح أخرى جديدة تتواءم مع التغيرات العاتية من حولها .. كانت تغييرات تاريخية مع الحذق في التوقيت. وهكذا، نسمع مقولات تقليدية من نوع "التدبير هو نصف المعيشة"، بل ان الكلمة المحورية الأهم في علم الادارة هي "التدبير" .. والسياسات ليست أكثر من أفكار مقننة محددة للتدبير، وبحسن التدبير يتمكن الفرد كما تتمكن الجماعة من التأقلم مع المتغيرات وتجاوز التحديات على تنوعها بل والنفاذ إلى رحاب الفرص والمكاسب العريضة. تويتر: @ihsanbuhulaiga