قبل أكثر من خمس سنوات قام معلم في المرحلة الثانوية بمشروع تعليمي يساهم في تطوير العملية المعرفية للمادة التي يدرسها, كان المشروع مقتصراً على طلابه بوصفهم الفئة المستهدفة, أما انبثاق تلك الفكرة فهو بسبب تعرف ذلك المعلم على العديد من برامج التصميم والمونتاج الالكتروني والفيديوي, واجتهاده ليحصل على دورات متعددة في هذا المجال في داخل المملكة وخارجها. التقى المعلم بمدير التعليم وطرح عليه الفكرة, وبالفعل فقد اطلع مدير التعليم على نموذج المشروع وأعجب به, وقدم مبادرة لتطوير العمل من أجل أن يعرض على أحد قياديي وزارة التربية من أجل تبنيه, وإضافته مع المشاريع الوطنية التي تتبناها الوزارة. إن هذا المعلم وأقرانه من صناع الأجيال يطرحون كل هذه الأسئلة على معالي وزير التربية والتعليم, ويقترحون مساءلة وكالة التخطيط والتطوير عن مكمن الخلل, ولماذا الاكتفاء بالمنتج الورقي دون المواد المصاحبة ؟ بل لماذا هذا الهوس بالأوراق في أزمنة الآيباد والآيفون ؟ وإلى متى تُهمش الكفاءات التربوية من معلمي الميدان ؟ إلى أين سيمضي مشروع التطوير ؟وبالفعل قام ذلك المعلم بتطوير العمل وكان له ذلك اللقاء المشهود, حيث عرض على معالي النائب السابق للوزارة, وهش وصفق للفكرة, وقال بأننا في الوزارة نرحب بهذه الأعمال التي تنم عن صميم خبرة المعلم لأنه من عمق الميدان التربوي, كما أننا نعاني كثيراً من المؤسسات التي نتعاون معها لأنها نادراً ما تقدم الأفكار التربوية المناسبة لمقررات الدراسة, ولمستويات الطلاب. ثم قال: أشكرك يابني, اذهب لمدير تقنيات التعليم وقل له: يقول لك النائب نفذ على وجه السرعة. وفي لقائه مع مدير التقنيات استمع منه لمدائح, ووصفه ب(المبدع), ووعد بإنجاز المشروع!. كان المعلم مزهواً بكلا اللقائين, وكان سعيداً بنجاج هذه المبادرة, خرج من الوزارة وهو يتساءل ويفكر: هل ماحدث واقع أم خيال؟ هل من الممكن أن يكون مشروعه من المشاريع التي تتبناها الوزارة ؟ شك في الموضوع! ولكنه طرد كل الشكوك والأوهام وافتخر بأن الأمر سيكون مع قيادات كبيرة إذا قالت فعلت. وتمضي الأيام والسنون وهذا المعلم ينتظر المخاطبات الرسمية, ولكن لاجدوى, وعرف بأن محاولاته باءت بالفشل, وأن كل الكلام والمدائح التي قيلت له ماهي إلا أوهام وخيالات, لم ينزعج المعلم أنه كُذب عليه و غرر به, لأنه يرى أنه بوصفه معلماً وطنياً قدم مبادرة لكنها أجهضت من مؤسسته التربوية الوطنية, وظل يتساءل: لماذا لاتقوم مؤسستنا التربوية بتبني مشاريع المعلمين العاملين في الميدان التربوي؟ لماذا لا تتيح لهم الفرصة للتطوير والإبداع ؟ لماذا تجعلهم في موقع الظل والسلبية, ينفذون ماتريده منهم, دون أن يكون لهم دور في صناعة المقررات والمناهج والرؤى العلمية ؟ هل كل المؤسسات التربوية في العالم بهذه البيروقراطية ؟ حاول ذلك المعلم أن يعقد مقارنة بين وزارته الوطنية وبين شركة جوجل العالمية, ورأى أن وزارته لاتقل إمكانية عن تلك الشركة وخاصة في المقدرات المالية, والطاقات البشرية من المعلمين المتميزين, إلا أن شركة جوجل فتحت نوافذها على العالم, وأتاحت الفرصة لكل المبدعين في كل المجالات وقالت لهم: دعونا نبدع جميعاً, دعونا نخلق عالماً من الثقافة والتربية والعلوم والفنون على هذه الشبكة, إليكم هذه البرامج حمِّلوها فهي بالمجان, واصنعوا منها مشاريعكم وأفكاركم وأفلامكم, وحققوا أحلامكم, إن العالم اليوم ينتظركم بفارغ الصبر. إن شركة جوجل تكسب أرباحاً بالملايين بل بالمليارات لكنها تقول لمبدعي العالم: اشتركوا معنا, خذوا حصتكم من الدولارات عندما تسوقون الأفكار والأعمال والبضائع وعند إنجاز مدوناتكم وأفلامكم, وعند بيع كتبكم وابتكاراتكم, دعونا نكون شركاء في صناعة المستقبل, أما هذا المعلم فلم يجد في وزارته هذه الإغراءات, لكنه حاول أن يكذب نفسه فقام بزيارة موقع وزارته الالكتروني, وموقع التطوير, لكنه لم يجد فيها سوى بعض الأخبار, وتوقيع العقود, ونماذج لاستمارات ترشيح, وإحصائيات لأعداد طاولات ومقاعد وطلاب ومعلمين, ووجد رصداً لعشرات المشاريع, ولكل مشروع تعريف بحدود سطرين أو ثلاثة, حاول المعلم أن يجد الأقراص والمواد المصاحبة التي تحيله لها كتب المشروع الشامل لتطوير المناهج: (راجع القرص المدمج ..الفيلم الوثائقي) لكنه لم يجد أقراصاً ولا أفلاماً. إن هذا المعلم وأقرانه من صناع الأجيال يطرحون كل هذه الأسئلة على معالي وزير التربية والتعليم, ويقترحون مساءلة وكالة التخطيط والتطوير عن مكمن الخلل, ولماذا الاكتفاء بالمنتج الورقي دون المواد المصاحبة ؟ بل لماذا هذا الهوس بالأوراق في أزمنة الآيباد والآيفون؟ وإلى متى تُهمش الكفاءات التربوية من معلمي الميدان ؟ إلى أين سيمضي مشروع التطوير؟ [email protected]