في المقال السابق تحدثنا عن تأثير رفع سعر صرف الريال على الاقتصاد وعلى المواطنين، وفي هذا المقال سيكون حديثنا عن تأثير خفض سعر صرف الريال، والتأثير بطبيعة الحال معاكس لتأثير رفع سعر الصرف في غالب الجوانب، في المقال الماضي عن تأثير رفع سعر الصرف افترضنا أن قيمة الريال ستكون 2.6 ريال لكل دولار، وفي هذا المقال سنفترض أن سعر الصرف سيكون 7.5 ريال لكل دولار، واذا احتسبناه من خلال صرف الدولار للريال، فإن سعر الصرف الحالي هو 0.27 دولار لكل ريال، وبعد الخفض سيكون 0.13 دولار لكل ريال. أي أن قيمة الريال ستنخفض بنسبة 50% أمام الدولار. تأثير خفض سعر صرف الريال سيكون كبيرا على الاقتصاد، وله سلبيات كثيرة – ومؤلمة - على المدى القصير، ولكن في المقابل له تأثيرات إيجابية على المدى الطويل من الناحية النظرية يمكن للحكومة أن تخفض سعر صرف الريال من خلال بعض الإجراءات التي تقوم بها مؤسسة النقد، أبسطها زيادة المعروض من النقود بشكل كبير. تأثير خفض سعر صرف الريال سيكون كبيرا على الاقتصاد، وله سلبيات كثيرة – ومؤلمة - على المدى القصير، ولكن في المقابل له تأثيرات إيجابية على المدى الطويل، أول تأثير سلبي لخفض سعر الصرف هو التضخم، كل أسعار السلع المستوردة سترتفع بنسبة 50%. فالسيارة التي كان سعرها 100 ألف ريال سيصبح سعرها 150 ألف ريال ، كما أن تكلفة رواتب العمالة الوافدة سترتفع بنفس النسبة، لأن ما يهم العامل هو راتبه بالدولار وليس بالريال السعودي، وهذا يشمل بالطبع العمالة المنزلية كالخادمات والسائقين، أخيرا؛ فإن السياحة الخارجية سترتفع كلفتها على المواطنين بنفس نسبة خفض سعر العملة. أما إيجابيات خفض سعر صرف الريال، فأهمها تحفيز النمو في القطاع الصناعي، لأن ارتفاع تكلفة السلع المستوردة يفتح الباب أمام الكثير من الصناعات المحلية التي كانت غير مجدية بالسابق بسبب انخفاض تكلفة السلع المستوردة، ويمثل النمو في القطاع الصناعي أهمية قصوى لتصحيح الوضع الاقتصادي وخلق الوظائف، فالنمو الصناعي وتحسين الميزان التجاري (غير النفطي) هو السبيل الوحيد للخروج من الاعتماد الحصري على النفط، حيث إننا نستورد حاليا ما قيمته 600 مليار من العالم ونصدر أقل من 200 مليار من السلع والخدمات غير النفطية، هذه الفجوة يتم تغطيتها من خلال عوائد النفط الذي لن يبقى لنا أمد الدهر، ثاني إيجابيات خفض سعر الصرف هو ارتفاع تكلفة العمالة الوافدة – التي قد يراها البعض كسلبية – حيث إن هذا الارتفاع سيقلص الفجوة بين رواتب المواطنين والوافدين، وبالتالي تقل جاذبية استقدام العمالة الوافدة ويزداد الاعتماد على المواطن في القطاع الخاص، أخيرا فإن خفض سعر الصرف سيرفع إيرادات الدولة – بالريال السعودي – فإذا كانت الإيرادات 1000 مليار ريال سعودي، فإن هذه الإيرادات سترتفع لحوالي 2000 مليار ريال سعودي، مما سيوفر للدولة المزيد من الأموال التي يمكن توجيهها في قطاعات أكثر إنتاجية أو في تحسين البنية التحتية والتعليم. كثير من دول العالم – كالصين واليابان – تعمل على الحفاظ على مستويات منخفضة لسعر عملتها أمام الدولار حتى تضمن أن قدرتها على تصدير منتجاتها لأمريكا وللعالم ستستمر، وهناك حديث متكرر هذه الأيام عن حرب العملات، وغالب دول العالم يتأثر سعر صرف عملتها بميزانها التجاري (الفرق بين التصدير والاستيراد)، وبالتالي تنخفض عملتهم اذا انخفض انتاجهم الصناعي وترتفع اذا ارتفع، أما في السعودية، فإن النفط يدفع سعر العملة للأعلى مما يؤثر سلبا على فرص النمو في القطاع الصناعي، ويؤثر بالتالي على فرص خلق الوظائف وبناء اقتصاد متنوع، فهل يكون خفض سعر صرف الريال هو الخطوة الأولى في طريق إصلاح الاقتصاد؟ كاتب إقتصادي @essamz