يسعى الشاعر الشاب علي عاشور لتقديم نفسه للساحة الشعرية بشكل مختلف وبصورة مغايرة حتى في إطار قصيدة النثر التي تسجل لها حضورًا قوياً في المشهد الشعري المحلي منذ تسعينيات القرن المنصرم. وعلى الرغم من أن غلاف كتابه الأول الصادر حديثاً عن دار مسعى بالعنوان اللافت «عين في إصبع» لا يحمل ما يشير إلى طبيعة محتواه، إلا أن القارئ لن يجد صعوبة كبيرة في إدراك أن ما بين يديه من نصوص قرت بين دفتي الكتاب هي شعر، ليس فقط لشكلها الخارجي وطريقة توزيع كلماتها وعباراتها فوق الصفحة، بل بسببٍ من لغتها المشحونة بحمولات اللغة الشعرية التي لا تخطئها العين التي ألفت التقاط موجات الشعر وذبذباته مهما اختلفت أشكال كتابته وتغايرت أنماط صياغته. الكتابة الشذرية بالطبع ليست بالنمط الجديد، وهناك شعراء معروفون عالمياً وعربياً اشتهروا بهذا النمط الذي يشكل امتحاناً حقيقياً لمدى قدرة الشاعر على قول المعنى الكثير بالقليل من الكلمات. فما لم تكن العبارة الضيقة تخبئ وراءها رؤية واسعة فمن السهل أن يفتضح النص ويسقط في اختبار الشعر. القالب الشعري المهيمن على نصوص الكتاب هو الكتابة الشذرية، ورغم أن هذه النصوص القصيرة التي قد لا يتجاوز بعضها بضع كلمات تأتي تحت سبعة عناوين مستقلة، إلا أنه ليس من المبالغة القول إن كل شذرة من تلك الشذرات هي بمثابة النص المستقل بذاته الذي يمكن قراءته بمعزل عن بقية الشذرات. الكتابة الشذرية بالطبع ليست بالنمط الجديد، وهناك شعراء معروفون عالمياً وعربياً اشتهروا بهذا النمط الذي يشكل امتحاناً حقيقياً لمدى قدرة الشاعر على قول المعنى الكثير بالقليل من الكلمات. فما لم تكن العبارة الضيقة تخبئ وراءها رؤية واسعة فمن السهل أن يفتضح النص ويسقط في اختبار الشعر. النص/العنوان الأول الذي يصادفنا في الكتاب يحمل عنوان «بؤبؤ أبيض» وكأن الشاعر يعلن منذ البدء عن رغبته في أن ينظر إلى الأشياء نظرة «بكراً»، ليكتنه جوهرها ويصل إلى معناها العميق، حتى أننا نسمعه في احد المقاطع يعبر بشكل مباشر عن تمنيه وجود منهج دراسي يتعلم فيه الطلاب «كيفية التخلي عن الحواس الخمس» لأنها مضللة أو تستغل من قبل الآخرين لتضليلهم. وفي السياق ذاته يعيد الشاعر تعريف بعض الأشياء والمفاهيم فنرى كيف أن الصلاة «صعود لا إلى أعلى وهبوط لا إلى أسفل»، وكيف تصبح الوطنية «ذريعة وضعها الراعي ليأكل من خرافه بأدب». وليس بعيدا من ذلك، نرى كيف يحاول الشاعر أن يبدل علاقة الأشياء ببعضها بعضا إذ يقول مثلا .. «لنحاول تبديل المطر بالسنابل، المطر ينبت والسنابل تتساقط».