لقد عدت ولله الحمد على العافية إلى أساتذتي وزملائي وقراء هذه الزاوية بعد غيبة نافت على خمسة أشهر كنت خلالها مربوطاً إلى السرير الأبيض بسبب عارض كتب الله لي من الشفاء ، عدت لأتذكر المثل القائل : اربط أصبعك فيتسابق من حولك كل منهم لديه نصيحة بعضهم يصف لك دواء عجيباً يزيل ما بك من آلام ويخفف عنك معاناة الحمى والسهر ويقول فينبري الثالث بقوله يا أخي لا تتعب نفسك في التنقل بين الأطباء وأذهب إلى المستشفى الفلاني فهو يضم نخبة من الأطباء المشهود لهم بالمعرفة والمران الطويل .. وهكذا ينبري الناصحون واحداً بعد واحد كل منهم يحاول أن يستميلك إلى رأيه هذه النصائح تجعلك في حالة مرضية قد تكون بسيطة ، ولقد عانيت من هذه النصائح وكثرتها واختلافها من شخص إلى آخر طيلة خمسة أشهر كنت خلالها مشدودا إلى سرير المستشفى لا أغادره إلا بأمر من الطبيب المختص ، أما أن أبديت رغبتك بشراء أرض وبنائها لتكون سكناً لك ولأسرتك فسيتبارى آخرون بتعداد مزايا كل مخطط وما فيه من مرافق جاهزة ، ولعل بعضهم لا يعرف عن ذلك المخطط إلا ما يسمعه من مكاتب العقار أما البناء فالحديث عنه بحر عميق لا أرض له ولا ساحل يحده فهناك مشاكل الحصول على الأسمنت وشراء الحديد والتعاقد مع المقاولين وميزة كل واحد وعيوبه وماذا جرى لفلان وكيف تعطلت بنايتهاما إذا خرجت من مجال الطب والأطباء وأردت أن تشتري سلعة ما من السلع الإلكترونية كمبيوتر مثلاً أو تلفازا أو هاتفا نقالا أو غيرها من الأجهزة فإن الناصحين أكثر لأن هناك من يشير عليك بأن تختار علامة كذا وصناعة كذا ويقطع عليه آخر فيقول اشتر ما تريد من وكالة كذا وخذ عليها ورقة ضمان وهكذا تمر بمسامعك عشرات الأنواع ومئات الوكالات والبقالات وهكذا دواليك فيما لو أردت أن تشتري سيارة فسينبري لك أولهم ليعدد لك أنواع السيارات وموديلاتها وكم عملت لديه كل واحدة منها وما هي مشاكل كل سيارة وشركات بيع قطع الغيار وجراجات الإصلاح وغير ذلك والعلاقة مع شركات التأمين ومماطلاتها في سداد ما لك من حقوق مترتبة من جراء بعض الحوادث البسيطة أما ان أبديت رغبتك في شراء اثاث لمنزلك فسوف يتسابق الحاضرون كل يعرض ما لديه من معلومات وتجارب وكأنه صاحب متجر لبيع الأثاث ويغريك بالشراء من متجره معدداً الميزات والأسعار وجودة البضاعة إلى آخر تلك الصفات التي لا تنتهي .. أما أن أبديت رغبتك بشراء أرض وبنائها لتكون سكناً لك ولأسرتك فسيتبارى آخرون بتعداد مزايا كل مخطط وما فيه من مرافق جاهزة ، ولعل بعضهم لا يعرف عن ذلك المخطط إلا ما يسمعه من مكاتب العقار أما البناء فالحديث عنه بحر عميق لا أرض له ولا ساحل يحده فهناك مشاكل الحصول على الأسمنت وشراء الحديد والتعاقد مع المقاولين وميزة كل واحد وعيوبه وماذا جرى لفلان وكيف تعطلت بنايته كذا شهر وأنت تسمع قبل أن تصل إلى مرحلة التشطيب وتمديدات الكهرباء والمياه والتكييف والإنارة فلا يصل الحديث إلى انهاء تلك البناية قبل أن تبدأ حتى تكون قد أصبت بنوع من فقدان الذاكرة لكثرة ما سمعت من الهذر الذي يشقيك ولا يسعدك ويزيدك جهلاً إلى جهلك فتعود لمنزلك محملاً بهموم المستقبل الذي لم تبدأ مراحله وتأخذك الهواجس والأفكار بين الأقدام والأحجام فتقرر التأجيل بعض الوقت حتى تستقر على رأي يتناسب مع امكانياتك ومع متطلباتك وقد تعدل في النهاية على اتمام أي مشوار من تلك المشاوير التي صدعت رأسك قبل أن تبدأ فلا نملك إلا أن ندعو لك بالتوفيق .