كان يوم أمس يوماً أسود آخر يضاف إلى ليالي الظلمات في سوريا، إذ انتظر السوريون والعرب والعالم خطاب رئيس النظام عسى أن يعود إليه الوعي وأن يتألم لخراب بلاده والمذابح التي تجري في صفوفهم. لكن رأس النظام أثبت أنه أسوأ تفكيراً من قبل، وأنه أكثر ولاء وتمثيلاً لأعداء سوريا العربية، وأنه وكيل أمين للنفوذ الأجنبي في سوريا. وأثبت أكثر من أي وقت مضى أنه ونظامه يدارون من قبل طهران ومن خلايا موسكو، خاصة أن بشار الأسد قد أرسل نائب وزير خارجية النظام إلى طهران ربما للحصول على موافقة إيرانية على موضوعات الخطاب أو إجراء تعديلات على الخطاب. والدليل أن خطاب الأسد يوم أمس جاء متوافقاً تماما مع الطرح الإيراني ومع لغة المسئولين الإيرانيين وتصريحاتهم المعلنة، ومع استراتيجية الخطاب الإعلامي الإيراني الذي يتناسخ في الفضائيات الإيرانية والأحزاب التابعة لطهران. والغريب أن الأسد يقول انه لن يحاور إلا الذين تجري في عروقهم دماء عربية، بينما هو شخصياً يأخذ تعليمات من عجم هم أشد أعداء العرب عبر التاريخ، ولهذا السبب بالذات يتم تدمير سوريا في اشرس عدوان تعرضت له سوريا في تاريخها الحديث. وعلى الرغم من سوء لهجة الخطاب ومن الإحباط الذي ألم بالسوريين والعرب، فإن الفائدة الوحيدة لخطاب الأسد هو أنه قد قطع أي أمل بعودته إلى الوعي أو عودته إلى الإرادة العربية. وهذا يعطي للثورة السورية زخماً جديداً بأن المواجهة العسكرية هي الخيار الذي يحرر سوريا من قبضة القوى الأجنبية، لأن العمل العسكري، ببساطة، هو الخيار الوحيد الذي يمارسه الأسد ورعاته وليس في تفكيرهم أي خيار سلمي. وواضح من لهجة الخطاب أن الأسد ورعاته يخوضون معركتهم الأخيرة، خاصة أن الوقت يضيق والثورة تحرر المزيد من الأراضي وتكاد تقترب من قصر الرئاسة، إضافة إلى أن لهجة الخطاب محاولة لإخفاء الشعور بالهزيمة ولحظات الضعف، وهذه بالضبط استراتيجية الدعاية الإيرانية التي تؤكد على خلاياها ورجالها على أن يتحدثوا بمفردات قوية وشعارات نصر وإحداث الضجيج في الوقت الذي تشتعل ملابسهم. وخير مثال أن قادة حزب الله لا يزالون يحتفلون بأفدح تدمير تعرض له لبنان في تاريخه الحديث على أنه نصر. ويعيد بشار الأسد في دمشق نفس الشعارات والمكابرات والضجيج الفارغ، في وقت تمتلىء فيه الفضائيات ومواقع الانترنت بصور هزائم النظام وانسحاباته المتوالية المستمرة من أكثر من نصف سوريا. بعد خطاب رأس النظام واضح أنه ورعاته مستمرون في برنامج التطهير وأن وجبات القتل اليومية ستستمر في صفوف السوريين، وهذا يحتم على المجتمع الدولي مسئولية المبادرة لحماية الشعب السوري من آلة القتل التي تفتك بالسوريين وبمدنهم لصالح القوى الأجنبية التي تستعمر سوريا وتدير النظام وتحرضه وتمده بالأسلحة الفتاكة مواصلة جرائمه وارتكاباته البشعة.