ها قد وضعنا الوحي على المنهج الصحيح وأرشدنا كيف نخرج من كل هذه المآزق التي احتفت بالطريق المستقيم وكادت تمنع من الوصول إليه. بضمانة حفظ الله تعالى هذا الدين لنا ومنع تحريف المبطلين له ليظل واضحا وصراطا مستقيما لمن شاء الله هدايته كما تركه المصطفى واضحا بيننا كما صح عن العرباض بن سارية عن النبي أنه قال: ( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ) فالميزان الصحيح هي تلك الشريعة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك؛ فإذا علمنا ذلك فقد اهتدينا إلى الدين الحق المنزل من رب العالمين مجتنبين الأهواء والبدع كما اجتنبنا ملل الكفر من قبل فلا يستتم الاعتقاد صحيحاً دون الأخذ بهدي السلف في الاتباع والاجتهاد فآفة كل الفرق المخالفة مخالفة هدي السلف وادعاء استقلالهم بفهم الكتاب والسنة فيما هو مخالف لفهم السلف اتفاقا أو اختلافا. إن زعمتم أنهم كانوا على الصواب فكيف تتركون ذلك الصواب وإن زعمتم أنهم على خطأ فحسبكم ذلك، وقد تبين أن دعواكم الإيمان بالكتاب والسنة مدعين الانتساب إلى السلف دعوى لا حقيقة فإما أن تتبعوا هديهم في الاجتهاد والاستدلال وذلك يعني اتباعهم أو أن تخالفوهم وذلك يعني أنكم ترفضون ما نقل عنهم وتتبرؤون منه. إذ ذلك سبب الانحراف وهنا نقول لكل من زعم أنه على الكتاب والسنة وأنه مؤمن بما ورد فيهما : هل تقرون بلزوم الرجوع إلى السلف المرضي عنهم في معرفة معاني الكتاب والسنة وفهمهما والعمل بهما وتحكيمهما فإن قالوا : نعم نقر بذلك فقد اهتدوا ونقضوا مذهب من زعم خلاف ذلك فإنهم مهما أرادوا أن يفسروا النصوص بخلاف ما نقل عنهم صحيحا فقد نقضوا ما بنوه واصطدموا بالمنقول الصحيح عنهم وإن قالوا: لا نقر بذلك، بل هم رجال ونحن رجال ولسنا ملزمين بالرجوع إليهم، بل لنا عقول كما لهم عقول وعصرنا يختلف عن عصرهم ولسنا ملزمين بفقههم وعلمهم وأقوالهم في الدين قلنا لهم: إذا لقد نقضتم التزامكم وعدلتم عن عملهم بالكتاب والسنة، فالوحي إنما بلغنا عن طريقهم وقد فهموه وتعلموه وعملوا به وامتثلوه ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أظهرهم وبلغوه لمن بعدهم كذلك فلا تصح دعوى الإتباع والعمل بهديه في الاجتهاد والنظر والاستدلال الا بالتسليم بهديهم وأنتم برفضكم هذا تؤكدون عدم الأخذ بالهدي المرضي عنه فادعاؤكم كاذب وتلبيس وخداع، إذ كيف تزعمون ذلك وتردون فهمهم وفقههم وعلمهم، وقد خوطبوا بذلك الوحي بلغتهم على ما هي عليه من الصحة وامتثلوه ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أظهرهم ونقلوه إلينا كذلك فإن مخالفتكم لهم ليست فعل من يدعي الاتباع ؛ ونقول لهم أيضا : ما حكم هؤلاء السلف في نظركم حينذاك فإنكم إن زعمتم أنهم كانوا على الصواب فكيف تتركون ذلك الصواب وإن زعمتم أنهم على خطأ فحسبكم ذلك، وقد تبين أن دعواكم الإيمان بالكتاب والسنة مدعين الانتساب إلى السلف دعوى لا حقيقة، فإما أن تتبعوا هديهم في الاجتهاد والاستدلال وذلك يعني اتباعهم أو أن تخالفوهم وذلك يعني أنكم ترفضون ما نقل عنهم وتتبرؤون منه، وبهذا يتبين تماماً لكل أحد أن طريقكم غير طريق السلف فهو في الحقيقة إيمان آخر وهدي آخر وفقه آخر وعلم آخر جديد على الأمة في الدين محدث لم يزكه الله ولم يرضه ولم يثن عليه، ومعنى ذلك في الحقيقة الإعراض عن الدين الحق الخالص واعتناق المحدث في الدين فإن فعلتم ذلك كنتم واضحين غير متناقضين من حيث الدعوى لا من حيث سلامة الاعتقاد وصحته. أما أن تزعموا أنكم متبعون لهم على الكتاب والسنة وتخالفون ما نقل صحيحا عنهم فذلك خداع في دين الله. [email protected]