نشرت الصحف بكلِّ اللغات حكاية السيد علي كوردان، الذي فقد الأسبوع الماضي منصبه كوزير للداخلية في إيران، بعد ان سحب البرلمان منه الثقة .. كان كوردان قد رفض الاستقالة عندما شاع أمر الدكتوراة المزورة التي يحملها.. ليتها كانت دكتوراة من النوع الذي تعود على حاملها بالترقيات والزيادة في الراتب.. كانت فخرية.. ولو نسبها الى جامعة أيِّ كلامٍ لما انفضح أمره.. ولكنه جعلها من سيّدة الجامعات «أوكسفورد».. سأل المتشككون في أمر الدكتوراه جامعة أوكسفورد عنها فقالوا: ليس في سجلاتنا اسم علي كوردان حتى كزائر ترانزيت.. عندها قال معالي الوزير: إنه كان ضحية مقلبٍ دبّره شخصٌ غشاشٌ أوهمَهُ أن الدكتوراه حقيقة!! نقطة نظام: أنت يا سيدي الوزير مكلّف بمحارية الجريمة ومن بينها التزوير، والإشراف على الانتخابات الرِّئاسية والنيابية، فكيف انطلى عليك أن الشهادة مزوّرة ،وكيف تتّهم شخصاً آخر بالتزوير؟ هل سبق لك الذهاب الى اوكسفورد؟.. هل لديك صورُ حفلِ تسليمِ الدكتوراة الفخرية ،وهي درجةٌ ذاتُ قيمةٍ أدبيّة ومعنوية عاليةٍ ،تُقدِّم لمُستحقيها وسط هيلمان وطيلسان؟.. المشكلة الأكبر هي أن البرلمان اكتشف ان الدبلوم فوق الجامعي المقيّد في السيرة الذاتية لكوردان، والذي يفترض أنه حصل عليه من الجامعة الاسلامية الحرة أيضا مزوّر.. ثم اتضح أن البكالريوس الذي يحمله من نفس الجامعة... نعم مزوّر ،عندما تعرّض لزنقة في البرلمان كان دفاع كوردان من الصنف العالم ثالثي: إنها مؤامرة على النظام الإسلامي في ايران.. كشف التزوير ومعاقبة المزور مؤامرة على الحكومة؟ ودي تيجي إزاي يا بيه؟.. ثم نطق السيد على كوردان بكلام كله حكمة: لدي خبرة إدارية تفوق 30 سنة ،ولستُ بحاجة الى شهادات! يِسلَم لسانك يا سيدي.. بالضبط: الشهادات ليست ضرورية للنجاح في أي عمل او مهمة.. قد تكون عنصراً مساعدا ،ولكن الخبرة والاستعداد الفطري يعطيان ثمراتٍ لا تعطيها الشهادات المطبوعة بماء الذهب.. عبر البشر آلاف السنين واقاموا الامبراطوريات في غياب – حتى – المدارس الابتدائية.. لم يكن بين بُناة الأهرامات و أحد يحمِل دبلوماً متوسطاً في الهندسة المعمارية... سيدك وسيدي محمد -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقرأ ولا يكتب، ونتباهى أنا وأنت بما أنجزه هذا النبي الأمي ويشهد له حملة الدكتوراهات الحقيقة من كلِّ المِلَل والنِّحل بالعبقرية. دعنا في سيرة البشر العاديّين: أندرو جاكسون أحد أشهر الرؤساء الأمريكان لم يرَ أباه قط، لأنه مات وعمره دون السنة وماتت أمه وعمره 14 سنة ،وعاش مشردا ولكنه كان صاحب ذكاءٍ فِطري .. هذا الرجل الذي لم يحظَ بأيِّ تعليمٍ نظامي صار محامياً و وزيرا للعدل، وعضواً في مجلس النواب ثم الشيوخ، وخلال الحرب مع الولايات المتمردة في الجنوب الأمريكي أبدى مهارات قتالية واستراتيجية فذّةٍ، ونال رتبةَ جنرال.. ثم صار رئيساً للولايات المتحدة ما بين 1829 و 1837، ورغم أنه لم يكن «متعلِّما» بأيّة درجة إلّا أنه ترك لشعبه وثائق مكتوبة ،صارت مصدرَ فخرٍ واعتزازٍ لكلِّ الأمريكان على مر الأزمان .. وكان بإمكانه ان يمنح نفسه كل أنواع الشهادات الأكاديمية ،ولكنه كان يدرك ان الشهادات لا قيمة لها إذا كانت فقط للتباهي والوجاهة.