صوّت المصريون هذا الأسبوع بنعم على دستور مصر ما بعد الثورة، الموافقة على الدستور تمثل حسب رأي الكثيرين آخر فصل من فصول المرحلة الانتقالية. وبعد إقرارها رسميا سيبدأ تشكيل مؤسسات الدولة وعلى رأسها البرلمان الذي سيشكل الحكومة الجديدة التي ستقود مصر ما بعد الثورة. هناك إجماع بأن أهم ملف ستحمل عاتقه أي حكومة قادمة هو الملف الاقتصادي، فالمواطن المصري البسيط لا يهمه صراعات النخبة السياسية ولكن يهمه بالنهاية لقمة عيشه ومستوى معيشته، لذلك فإن النهضة الاقتصادية لمصر ستكون أحد أهم معايير تحقيق الثورة أهدافها في الخمس أو العشر سنوات القادمة. هناك بعض الإصلاحات الهيكلية التي سيكون لها التأثير الأبرز على المدى الطويل، وهي التي ستضمن النمو المستدام وارتفاع الانتاجية للاقتصاد المصري، يأتي على رأس هذه الاصلاحات تعويم العملة المصريةالإصلاحات التي تحتاجها مصر للنهوض باقتصادها كثيرة، ولكن هناك بعض الإصلاحات الهيكلية التي سيكون لها التأثير الأبرز على المدى الطويل، وهي التي ستضمن النمو المستدام وارتفاع الانتاجية للاقتصاد المصري، يأتي على رأس هذه الاصلاحات تعويم العملة المصرية، تعويم العملة وترك تحديد سعره لقوى سوق العملات في العالم سيوفر على الحكومة عبء تثبيت سعره كما هو حاصل حاليا، وسيؤدي تعويم الجنيه المصري لانخفاض في قيمته قد يصل لأكثر من 30% أو40% بالمائة، هذا الانخفاض في قيمة الجنيه سيكون له تأثير سلبي على المواطنين في المدى القصير، حيث سترتفع أسعار السلع المستوردة وسيواجه المستهلك تضخما وتآكلا في القوة الشرائية، ولكن في المقابل فإن انخفاض سعر العملة سيجعل الاقتصاد المصري أكثر تهيؤا للنمو، وخاصة نمو الصناعة المحلية، حيث سترتفع تنافسية المنتج المحلي مقارنة بالمنتجات المستوردة، كما سترتفع جاذبية الاستثمار للمستثمر الاجنبي لأن أسعار الأصول ستنخفض بالنسبة له، وأخيرا فإن تعويم العملة سيسهم في تقليل عجز الموازنة الحكومية التي تتحمل حاليا عبء تثبيت العملة بمستوياتها الحالية، والتي يمثل عجز ميزانيتها تهديدا اقتصاديا خطيرا. إصلاح الاقتصاد من خلال تعويم العملة هو نفس الإجراء الذي قامت به تركيا في عام 2001 وهو العامل الأهم في النهضة الاقتصادية والنمو المتسارع للاقتصاد التركي، حيث لم يتجاوز النمو في الناتج القومي التي بين عامي 1990 و2000 نسبة 33%، بينما تجاوز النمو بين عامي 2000 و2010 نسبة 173% وذلك بعد تعويم العملة التركية. ثاني أهم الإصلاحات هو رفع الدعم الحكومي للسلع والوقود، والذي يستهلك أكثر من 10% من الناتج المحلي المصري، حيث إن الفقراء هم الشريحة الأقل استفادة من هذا الدعم، وتشير التقارير الاقتصادية الى أن 90% من الدعم الحكومي يستفيد منه أغنى 20% من المجتمع المصري، كما أن الدعم يمثل بيئة مثالية للفساد الذي يستهلك أكثر من 30% من الدعم حسب بعض التقارير، لذلك فإن على الحكومة المصرية أن ترفع الدعم وتستبدله بدعم نقدي مباشر للاسر المحتاجة، وبذلك تضمن وصول الإعانة لمن يحتاجها فقط. ثالث أبرز الإصلاحات الهيكلية هو التعامل مع القطاع الاقتصادي غير الرسمي، والقطاع غير الرسمي هو المنشآت التي لا تعمل بشكل رسمي ولا تدفع ضرائب، ويقدر الاقتصاديون حجم هذا القطاع بتريليون جنيه، تمثل 35% من حجم الاقتصاد في مصر ويعمل فيها أكثر من 40% من القوى العاملة، تقنين هذا القطاع سيضيف لدخل الحكومة من الضرائب أكثر من 100 مليار جنيه، كما أن تحول هذه المنشآت من القطاع غير الرسمي للقطاع الرسمي سيمكنها من الاقتراض من البنوك والنمو، مما يسهم بشكل فاعل في نمو الاقتصاد بشكل عام. بالإضافة للتهرب من الضرائب فإن أحد أهم عوامل نشوء وتضخم القطاع غير الرسمي هو البيروقراطية والفساد الحكومي، والذي يعيق إنشاء المؤسسات الصغيرة ويدفع صغار المستثمرين للعمل في القطاع غير الرسمي، لذلك فإن على الحكومة أن تقوم بإصلاح القطاعات الحكومية وتقلل من البيروقراطية وتسهل الإجراءات على الراغبين في العمل الحر. الإصلاحات الثلاثة السابقة ضرورية لنهضة الاقتصاد المصري، ولكنها بنفس الوقت مكلفة سياسيا على المدى القصير، وأي حكومة تبادر في هذه الإصلاحات ستخسر كثيرا من رصيدها السياسي وقد يعني ذلك فشلها في أي انتخابات قادمة، وبسبب ذلك ستكون قيادة الحكومة القادمة كالجمرة التي يحاول كل فصيل أن يرميها على الآخر حتى لا يتحمل وزر القرارات الإصلاحية التي لن تلقى قبولا شعبيا على المدى القصير ولكنها ضرورة لا مفر منها إذا أرادت مصر أن تنتقل لمصاف الدول المتقدمة اقتصادياً.