تلوح للرئيس المصري الجديد فرصة لانتشال البلاد من على حافة كارثة اقتصادية ولكن عليه أن يخط مسارا حذرا لإقناع مجموعة من اللاعبين شديدى الارتياب في الداخل والخارج بجدارة حكومته بالثقة. وعقب فوزه بمنصب الرئيس في أول انتخابات شهدت منافسة حرة في مصر يأتي محمد مرسي (60 عاما) المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بسياسات لسوق حرة من شأنها أن تسعد المستثمرين لولا التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجهها مصر والأوضاع السياسية المشحونة. وفي تقرير ل"رويترز"، يحمل مرسي أيضا برنامجا اقتصاديا مفصلا أعد بعناية على مدار عام مدعوما بالآلة السياسية بالغة التنظيم للإخوان المسلمين. ومن أجل تحفيز النمو وكسب ثقة المستثمرين في مصر على المدى الطويل ينبغي أن يعيد مرسي الاستقرار للبلد الذي هزته اضطرابات سياسية على مدار 16 شهرا كانت عنيفة في بعض الأحيان منذ أن أرغم الرئيس السابق حسني مبارك على التخلي عن السلطة. ولكي يتسنى له ذلك عليه أن يقيم علاقة عمل مع المجلس العسكري الذي سحب من الرئيس الكثير من سلطاته في الأسبوع السابق على نتيجة انتخابات الرئاسة التي أعلنت الأحد الماضي. كما انه يجابه دستورا جديدا محتملا سيحل محل الإعلان الدستوري الحالي الذي يتسم بالغموض فيما يخص سلطات الرئيس الكاملة. ولكن محللين يقولون إن التفويض الشعبي الذي حصل عليه مرسي يجعل من الصعب على معارضيه السياسيين عرقلة الإصلاحات التي يطلقها. وقال دبلوماسي غربي "ثمة فرصة بالتأكيد. أعتقد أن النوايا الحسنة متوافرة بسبب طبيعة النتيجة لأنها كانت نتيجة واضحة". وتابع "إذا شكلت حكومة ذات قاعدة عريضة وضمت خبرات اقتصادية جيدة إلى جانب أشخاص يحظون بمصداقية خارج مصر ... فسيكون هذا نبأ طيبا على المدى القصير". ونالت الانتفاضة المصرية من الاقتصاد إذ ابتعد السائحون والمستثمرون الأجانب وتشجع عاملون في الحكومة على الإضراب للمطالبة بأجور أعلى. وانكمش الاقتصاد بنسبة 4.3% في الربع الأول من العام الماضي ولم يحقق أي نمو في الفصول الثلاثة التالية. وتعتمد الخطة الاقتصادية للإخوان المسلمين على مستثمرين أجانب ومن القطاع الخاص المصري وتعهدت الجماعة بالتحرك سريعا للتفاوض على قرض من صندوق النقد الدولي حالما تشكل الحكومة. وقال عدنان أحمد يوسف رئيس اتحاد المصارف العربية والرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية ومقرها البحرين "نثق في مصر ولكن في غياب الأمن سيفر المستثمرون. التغيير صعب جدا وتعترضه العقبات". وتبنت حكومات مؤقتة عينها المجلس العسكري سلسلة من الإجراءات قصيرة المدى اقتربت بالبلاد بشكل خطير من حافة انهيار مالي. وشملت الإجراءات تمويل عجز متنام في الميزانية من خلال بيع أذون وسندات خزانة محلية بأسعار فائدة ترتفع باطراد وآجال أقصر. وتصاعد الدين بالعملة المحلية ليتجاوز 600 مليار جنيه مصري (99 مليار دولار) من نحو 500 مليار جنيه قبل الانتفاضة. وضغط الاقتراض على قدرة البنوك المحلية على الإقراض وارتفع متوسط العائد على أذون الخزانة لأجل عام إلى نحو 16% وهو الأعلى فيما يزيد عن عقد مقارنة مع 10.4% في يناير 2011. واقترضت الحكومة المؤقتة ستة مليارات دولار أخرى من خلال أذون خزانة مقومة بالدولار ويتعين على الحكومة الجديدة التي تفتقر للعملة صعبة أن تسددها أو تمد أجلها عند استحقاق أول هذه الأذون في نوفمبر تشرين الثاني. وسحبت الحكومة المؤقتة أيضا من الاحتياطي الأجنبي ليتقلص بأكثر من النصف إلى نحو 15.5 مليار دولار لدعم العملة ويرجع ذلك في جزء منه لمخاوف من أن يؤجج ارتفاع تكلفة السلع المستوردة معدل التضخم ويذكي حالة من الاستياء السياسي. ومع انخفاض الاحتياطي الأجنبي أصبحت المستويات الحالية تغطي واردات أقل من ثلاثة أشهر. وقال مسؤولون في جماعة الإخوان المسلمين أنهم يعتزمون استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 3.2 مليار دولار فور تشكيل حكومة جديدة. وقد يجلب اتفاق صندوق النقد مليارات أخرى تعهد بها مانحون عرب ودوليون وقد يساعد انتخاب مرسي في الإفراج عن هذه الأموال. واشترط صندوق النقد وضع برنامج للسيطرة على العجز المالي يحوز الثقة ويحظى بدعم سياسي واسع داخليا بالإضافة إلى حصول مصر على تعهدات بتمويل إضافي من مانحين أجانب. وربما يستغرق ذلك شهورا ولكن مع استحقاق جزء كبير من الدين قصير الأجل في النصف الثاني من العام بدأ الوقت ينفد. وقال الدبلوماسي "إلى حد بعيد يتوقف الأمر على من سيأتون بهم في الحكومة .. من سيأتون به وزيرا للمالية .. نحتاج بعض الوقت لتتضح الأمور. "مازال ثمة عدم وضوح إلى حد ما بشأن توزيع السلطات ويتمثل الخطر في عدم وجود برلمان للتصديق ولديك جيش منخرط في الاقتصاد". ويهدف البرنامج الاقتصادي لمرسي لتعزيز تأييد المصريين للحكومة الجديدة من خلال خطة ل100 يوم في خمسة مجالات تضمن تحقيق مزايا اجتماعية فورية. ويشمل ذلك إجراءات سريعة لتحقيق انسياب اكبر لحركة المرور شديدة الاختناق واستعادة الأمن والتخلص من أكوام القمامة في شوارع مصر. وتشمل الخطة أيضا حل أزمات نقص الخبز والوقود واسطوانات غاز الطهي وجميعها مدعوم من الدولة. ونظرا لأن الدعم الحكومي للطاقة يلتهم ربع ميزانية الدولة فقد يتضح أن تنفيذ هذه التعهدات ينطوي على تكلفة باهظة. ويقضي البرنامج بخفض الدعم علي منتجات الطاقة التي تستهلكها الصناعة بشكل متدرج وتوجيه الدعم بعناية لمنتجات مثل البنزين ووقود الديزل حتى يذهب للفقراء.