أول مفكر في ثقافتنا لفت الى ان العقل البشري (يحتله ما يسبق اليه) من الاراء وبالتالي القيم.. هو الفارابي.. وهذا يعتبر آنذاك وحتى الان، من اصدق ما وصل اليه الفارابي من بعد النظرة الى الانسان خلافا لارائه الاخرى التي تساقط منها الاكثر. في الحاضر كثر التعبير عن هذه المسلمة، فعالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي يعبر عنها ب (الحتمية الاجتماعية) والاستاذ ابراهيم البايهي يعبر عنها ب(البرمجة الاجتماعية) وكل هذه التعبيرات تؤدي الى دلالة واحدة هي ما يسمى في لغة الحداثة (البرا دايم) الذي يعني (المنظار الذهني الذي نرى من خلاله الاشياء ونحكم عليها وفق القيم التي نؤمن بها والتي تكونت من روافد مختلفة تصب في داخلنا بوعي وبدون وعي. هذا الوهم هو جناية النظر من زاوية واحدة، إذ انكشف لنا أن الشعب الليبي شعب شرد مفكروه في مختلف المنافي وكل يختزن القهر من القمع والاستبداد والفساد المنصب عليه.. ان الروافد المنصبة في دواخلنا روافد متعددة بدءا من التربية مرورا بالمجتمع الذي يصب فينا كل قيمه المتناسلة عبر التاريخ.. وهنا تبدأ المزالق والمنعطفات.. وأخطرها (التقليد) الذي يعني الغاء فكرنا الخاص عن الفعل والاستعاضة عنه بفكر الاخر. والذي لا يقل خطورة عن التقليد قصور المعرفة عن اللحاق بما تفرضه مسيرة التاريخ الصاعدة وتغير سلم القيم صعودا وهبوطا وتطورا. خطر لي كل هذا وأنا انظر الى الأكثرية وأنا منهم في الموقف من الأحداث البركانية في ليبيا والعالم العربي كله. إن ادعاءنا بأننا (نحن شعب عربي واحد ضمه في حومة البعث طريق) إنما هو ادعاء ناشئ من مجرد شعار ضال في متاهة البرادايم.. فنحن كنا ننظر إلى الشعب الليبي من خلال القذافي ونزواته وإعلامه فتكونت في أذهاننا صورة بان الشعب الليبي شعب صحراوي يسير خلف رجل معتوه يتكلم خارج اللغة... وانه ميئوس منه ولم يخرج عنه سوى ابراهيم الكوفي. هذا الوهم هو جناية النظر من زاوية واحدة، إذ انكشف لنا أن الشعب الليبي شعب شرد مفكروه في مختلف المنافي وكل يختزن القهر من القمع والاستبداد والفساد المنصب عليه.. وها هو ينفجر بأشد من البركان. من هنا يجب لا أن نعيد النظر في مفهوم أننا (امة واحدة) بل أن نعيد النظر في كل القيم التي تتحكم في آرائنا وسلوكنا دون أن ندري لنصبح جديرين بان نحيا في هذا القرن. أليس كذلك؟