تؤثر الطبيعة الجغرافية في سكانها، من حيث العادات والتقاليد والسلوك والمعارف والعلوم وغيرها من الأمور التي تؤثر على مدارك الإنسان وتصرفاته. ولأن أرض المملكة تختلف جغرافيا، فإنه نتج عن ذلك اختلاف ثقافة سكانها بشكل خاص لتنتج لنا تلك الروافد المعرفية الخاصة في المجتمع السعودي، والتي ساعدت على التأقلم مع طبيعة البلاد. فالروافد المعرفية هي تلك الاختلافات الثقافية والمصادر العلمية البشرية المتراكمة والتي ساعدت البشر على استمرارية البقاء والعيش والتأقلم مع البيئة. مما أدى إلى تكون ثراء معرفي وعلمي وثقافي عند المجتمع، الذي أثبت وبجدارة أنه قادر على المحافظة على روافده المعرفية في ظل هذا التطور الملحوظ للحفاظ على هويته الوطنية والدينية. شخصيا، لم أعلم بأن المجتمع السعودي يحمل هذا الكم الهائل من الروافد المعرفية إلا أثناء دراستي في الخارج. ولأني درست نظريات الإنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية والنفسية وبسبب انخراطي مع المبتعثين، قد أيقنت أن هناك الكثير من الروافد المعرفية التي لم تكتشف بعد في مجتمعنا ليتم الاستفادة منها من خلال التعليم. كنت أتساءل دائما، لماذا مناهجنا كانت سطحية المحتوى في طرح هذه المعارف والعلوم؟ ولماذا لم يتم تغذية عقليتي كطفلة سعودية بأهمية الاختلافات الثقافية والمعرفية والتي تندرج تحت وحدة وطنية ودينية واحدة؟. فنظرية الروافد المعرفية والتي أشار لها الباحثون والعلماء والمختصون بتطوير المناهج التعليمية من جامعة أريزونا، والتي تنص على كيفية الاستفادة من الاختلافات الثقافية والمصادر العلمية البشرية وإعادة استخدامها وتدويرها في المناهج التعليمية بشكل علمي وتربوي يلامس احتياج المجتمع. وذلك للحفاظ على علوم وتراث الأجداد ودمجها مع العلوم التقنية الحديثة. فأهمية اكتشاف الروافد المعرفية التي أشار لها الباحثون، والتي تتم باستخدام إستراتيجيات ونظريات مختلفة ستساعد في الكشف عن احتياجات المجتمع والتي بدورها ستسد فجوة البطالة وغيرها من الأمور التي يعاني منها المجتمع، وتزيد من نسبة وعي المجتمع من الناحية التعليمية، الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك بطرح هذه الروافد في المناهج التعليمية لتكون محتوى ثريا وفريدا يعكس عقلية المجتمع السعودي لتأسيس جذور تساعد في تجديد منظومة التعليم التي تخدم المنظومات الأخرى. أؤمن بأن هذه النظرية ستساعد التعليم بشكل خاص والمجتمع بشكل عام على سد الفجوات التي قد تواجهها رؤية 2030 مستقبلا. ولأن معلمي الأول هو الطفل، فأعتقد أن الأكاديمي والتربوي الناجح هو من يتعلم من ذلك الطفل، بعد محاولة استكشافه للروافد المعرفية التي يجلبها ذلك المعلم الصغير معه إلى المدرسة، ليتم الاستفادة منها بشكل يمزج تلك الروافد المعرفية البشرية والرقمية لخدمة المجتمع أولا والعالم ثانيا.