لطالما سمعت الدعاء: «الله لا يغير علينا» وإن كنت أتفهم دوافع قائليه من الحمد على النعم وتقديرها، إلا أنه يتبادر إلى ذهني دوما تساؤل عما إن كنا في أحسن حال. فالدعوة بعدم التغيير يكون مبررها الوحيد أننا وصلنا إلى قمة ما يمكن أن نصل إليه. وبالرغم من كون غالب حالنا مُرض - والحمد لله - إلا أن كل ما نعيشه من تطور لم يأت إلا من أناس رأوا مجالات للتغيير للأفضل. تعتبر «إدارة التغيير» من أصعب المهمات في المؤسسات؛ كونها تجد مقاومة كبيرة نظرا للخوف الذي يصاحبه. فعندما تسير الأمور بشكل جيد لا يرى الغالبية سببا كافيا للخروج من منطقة الراحة وتغيير الإجراءات مثلا. هذا الخوف طبيعي لعدد كبير من الناس لما يجلب معه من توتر وصعوبة في توقع التبعات المستقبلية وزعزعة المستقر. ولكن هل جميع الناس هكذا؟ بالطبع لا. هناك أشخاص يبحثون عن كل جديد، يستجوبون محيطهم ولا يتوقفون عند الأمر الواقع. لعلهم بشكل مستمر يبحثون عن الحلول الأمثل والبدائل لما يمرون به. أحيانا يكونون هم المخترعون وأحيانا أخرى الداعمون الأوائل (early adopters) للأفكار الجديدة التي لم تصل بعد للعامة. هاتان الفئتان توازن بعضهما في المجتمع وتجعل وتيرة التغيير تسير بسرعة معقولة. ولكن تقبل التغيير والتعامل الإيجابي معه من المهارات المهمة في عصرنا الذي يتطلب السرعة والمرونة. من الدراسات المثيرة للاهتمام تلك التي قامت بها شركة تنتج برنامجا حاسوبيا للتوظيف، حيث إنهم أعدوا استبانة مفصلة أجاب عليها 50 ألف موظف ممن تم توظيفهم باستخدام البرنامج. كانت غالبية الوظائف من نوع خدمة العملاء وموظفي مبيعات وهي وظائف عالية الدوران. في مراكز الاتصال مثلا يترك 45٪ من الموظفين وظائفهم سنويا، لذا يكون التوظيف والتدريب أمرا مكلفا. حاولت الشركة من خلال استخدام «البيانات الكبيرة» (Big Data) أن تحدد أية محددات قد تساعد في معرفة مَنْ مِن الموظفين يحتمل أن يستمر فترة أطول في وظيفته وكانت النتيجة مذهلة. اكتشفوا أن أحد المحددات لطول مدة التوظيف وكذلك جودة الموظفين يمكن تقديرها من خلال معرفة المتصفح الذي استخدموه لتعبئة الاستبانة. فمن استخدم متصفح جوجل كروم (Chrome) أو فايرفوكس (Firefox) استمروا فترة أطول وكانوا موظفين أفضل ممن استخدموا متصفح سفاري (Safari) أو إنترنت اكسبلورر (Internet Explorer). هذه النتيجة الغريبة يمكن تفسيرها بأن الذين استخدموا (كروم وفايرفوكس) اضطروا للقيام بفعل إضافي وهو تحميل هذه المتصفحات التي لا تكون عادة محملة بشكل تلقائي على أجهزة الحاسوب، على عكس المتصفحين الآخرين. الذي يميز هؤلاء أنهم لم يقتنعوا بما هو متوفر ووجدوا البديل الأنسب لهم. في الواقع إن نوع المتصفح ليس مهما، ولكن تلك المنهجية التي تجعل الإنسان يبحث عن البدائل الأفضل وهي بالتحديد التي جعلت موظفي خدمة العملاء يتعاملون ويتعايشون مع واقعهم الوظيفي بشكل جيد، بينما من تركوا العمل وجدوا أن الحل الوحيد هو ترك العمل لأنهم لم يروا إمكانية تغيير تصدر منهم. بعض التغييرات قد تكون مخيفة لما تحمل من مخاطر ولكن مهما صغر التغيير فإن تبعاته قد تذهلك. فما الذي سوف تغيره؟