لدينا الآن في كل منطقة من مناطق المملكة مهرجانات ثقافية ذات دفع رباعي، لا تغوص في رمال الماضي ولا تعلق في المواقف الوعرة منها ومن تنوع فعالياتها. لأول مرة، على سبيل المثال، يُشغَّل قسم جسر الملك فهد القادم من البحرين للمملكة بطاقته القصوى ليستوعب المتدفقين من هناك لموسم الشرقية، ولأول مرة تنظم شركة كانت منعزلة عن المجتمع، هي شركة الكهرباء، مهرجانا ثقافيا فنيا في الرياض يستحضر طلال مداح، ويناقش، ضمن ما يناقش واقع اللغة العربية مع العولمة. ما يحدث ثقافيا وفنيا في المملكة كل يوم، ومن مختلف الجهات والشركات والمؤسسات، يستحق الرصد والمتابعة الإعلامية؛ ليس على صعيد الإخبار ودعوات الحضور والمشاركة فحسب، بل على صعيد التحليل الذي يستبطن ويفسر هذا الشغف السعودي المفاجئ بالثقافة والفنون بمختلف أشكالها. أن يُنَاقش واقع اللغة العربية، أو يُلقى الشعر أو تفتح دفاتر النقد، في قاعة تتبع شركة همها التمديدات و(الكابلات) وعدادات الكهرباء التقليدية والإلكترونية، فهذا حدث يستحق التسجيل ويستحق الدرس من المهتمين بالشأن المجتمعي السعودي العام. هذا الشأن الذي يشهد متغيرات تاريخية غير مسبوقة لا يصح أن تمر أو تذوب أو تذوي بمرور الوقت. طبعا هناك كثير من الملاحظات والأسئلة على هامش هذه الاندفاعة الثقافية الكبرى. وأهم هذه الملاحظات أن كثيرا من مؤسسات القطاع الأهلي أو الخاص ما زالت غائبة عن المشهد. ولنا في البنوك خير مثال على ذلك، فهي لم تُحصل بعد قدرة الدفع الثنائي المجتمعي على أي صعيد كان. مبادراتها في خدمة المجتمع ومتغيراته الآنية شحيحة وخجولة، ومشاركاتها الناعمة، الثقافية والفنية، منعدمة تماما. أما أهم الأسئلة فهو سؤال عن التنسيق بين مختلف الجهات والمؤسسات، لكي لا تكون المهرجانات صورا طبق الأصل عن بعضها فنفقد التنوع الممكن، المطلوب والمؤثر في المشهد العام للثقافة والفنون.