العمل الخيري من الأعمال التي تعزز التكافل الاجتماعي وتسد كثيرا من الثغرات التي يمكن أن تنشأ لدى بعض أفراد المجتمع بسبب الفقر والحاجة، وهو من الأعمال التي ترتقي بإنسانيتنا وتجعل لما نمنحه الآخرين قيمة وأهمية وإحساسا بمتاعب غيرنا في هذه الحياة، لذلك تطور من السياق الفردي إلى المنظومة المؤسساتية التي تجعل جمعيات ومنظمات النفع العام تؤدي دورا حيويا في تكامل المنظومة المجتمعية وخدمة المحتاجين والذين يمرون بظروف اقتصادية تتجاوز طاقتهم. العمل الخيري من خلال الجمعيات والمؤسسات له دوره الفاعل والمؤثر في جميع المجتمعات، وفي كثير من تجارب الدول غير المسلمة يكتسب حضورا قويا في مختلف شؤون الحياة، فما بالك بمجتمعاتنا التي ترتكز إلى الخير الكامن في نفوسنا وبحفز من ديننا وقيادتنا، لذلك ومن واقع استمرار جمعيات النفع العام في الخدمة الخيرية، لفت انتباهي اختتام أعمال الملتقى العلمي الأول لاستدامة العمل الخيري بالمدينةالمنورة، الذي تناولت فعالياته خلال 4 جلسات علمية حوارية عدة مواضيع ذات علاقة بالعمل الخيري، إلى جانب استعراض عدد من التجارب في تأسيس العمل الخيري. والكلمة المحورية في هذا الإطار هي الاستدامة، فاستدامة العمل الخيري لا تعني استمرار بذل الخير والمعروف فقط، وإنما تنفيذ الأنشطة برؤية علمية ومنهجية قائمة على الإدارة العلمية التي تؤسس فيها الجمعيات أعمالا قادرة على رفد المجتمع باحتياجاته الخيرية والإنسانية بما يتوافق مع مقتضيات التكافل والتكامل، وكلما تم العمل بصورة علمية تعزز الموارد الخيرية والاستفادة من الأوقاف بما يجعلها موردا دائما لميزانيات الجمعيات فإنها بلا شك تصبح أكثر فعالية في النفع العام. يعلم كثير من القائمين على أمر الجمعيات والمؤسسات الخيرية أنهم يجدون صعوبة في إدارة تلك الجمعيات، وهم بحاجة إلى موارد بشرية مستقرة وليس متطوعين في المناسبات والفعاليات التي يتم تنظيمها، وذلك من أولويات الاستدامة بأن تعتمد الجمعيات على قائمين عليها لديهم الوقت الكافي للتركيز على الأنشطة الخيرية وإبداع طرق للموارد المالية بغير الطرق التقليدية ومدفوعات فاعلي الخير. الاستدامة مفهوم عريض يحفظ لتلك الجمعيات والمؤسسات دورها في خدمة المجتمع، وتسهم في تحقيق أهدافها بأقصر الطرق، وفي غيابها لا بد أن تحدث معاناة وقد يجد بعضها أنه وصل إلى طريق مسدود، فيما هي من الأهمية بحيث لا يمكن أن تغلق أي جمعية أو مؤسسة أبوابها في وجوه القادمين إليها ومن تخدمهم، وحين يحدث ذلك فليس بالضرورة هو غياب الإدارة العلمية وإنما تغييب الاستدامة عن العمل الخيري. من المهم أن تدفع الوزارة المعنية باتجاه إعانة الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإنسانية لكي تواصل مسيرتها، وتواجه تحدياتها بالمرونة التي تجعلها باقية ومستمرة وأكثر قدرة على الإسهام المجتمعي والإنساني الذي يغطي بمظلته المحتاجين بكل كرامة ويسر، وذلك ما تحرص عليه تلك المؤسسات ولكنها دون تغطية مالية وإدارة تمتلك الكادر البشري المتفرغ لأعمالها من الصعوبة أن تؤدي دورها وتحقق أهدافها التي تخدم المنظومة الاجتماعية بأسرها، فعمل الخير من الأعمال الإنسانية التي نتطلع إليها جميعا بحسب قدرة كل شخص فينا، ولا بد أن يجد مؤسسات حاضنة له مؤهلة ولديها القدرة على استيعاب خير الناس لصالح كل الناس، لذلك من المهم أن يتم تعزيز الاستدامة في النفع العام بكل تفاصيلها، والاستفادة من مخرجات مثل ذلك اللقاء الذي تم في المدينة وتنويعه وتنظيمه في مختلف المناطق حتى تلتمس الجمعيات والمؤسسات الطرق الصحيحة؛ للمواصلة في أعمالها برؤية ومنهج علمي يجعلها أكثر قوة في المشهد الاجتماعي.