ديننا الإسلامي كرم الإنسان وجعل له حقوقًا وحريات خاصة به ويتمتع بها دون تدخل أو إكراه من الغير، ولأن الزواج من الأمور الخاصة بكل فرد فقد جعل الإسلام رضا الطرفين شرطا من شروط صحة عقد الزواج الذي لا يصح العقد إلا به، فلا يجوز للولي إجبار ابنته على الزواج بمن لا ترغب به، كما هو حاصل في بعض المجتمعات، بحجة أن الزوج من الأهل أو الأقارب أو غيره، ولو كان في هذا الزواج وجود مصلحة لها، وإنما يكون دور الولي تقديم النصح للفتاة وتوجيهها لما فيه الصالح لها وترك حرية اتخاذ القرار لها، سواء كان بالقبول أم بالرفض، وذلك بناءً على قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الثيب حتى تستأمر، قالوا: يا رسول الله! إن البكر تستحي فكيف إذنها؟ قال: أن تسكت)، وبناءً على ذلك يجب على الولي أن يأخذ إذن الفتاة بما يدل على رضاها، وفي حال تعرضت الفتاة للإكراه من وليها حسيًا كان أم معنويًا بشأن الزواج ففي هذه الحالة يعد العقد باطلًا ومتوقفًا على إجازتها، والدليل على ذلك أن فتاة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلة: إن أبي زوجني من ابن أخية ليرفع بي خسيسته، قال: فجُعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن تعلمَ النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء؛ وذلك لأن زواج الفتاة بمن لا تريده يعد حجرًا عليها، وهو مخالف للشرع الصحيح والعقل الصريح، وأيضًا لا يجوز للوالدين إكراه الابن على الزواج ممن لا يرضاها بحجة أنها من الأقارب أو أي دواع أخرى، وربط موافقة الأبناء على هذا الزواج بطاعة الوالدين التي أوجبها الله تعالى، فهذه الأمور من الخصوصيات التي لا تشملها طاعة الوالدين لما فيها من اعتداء على حق النفس فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الطاعة في المعروف»، ولما قد يترتب على ذلك من فشل الزواج أو كثرة المشاكل وعدم الشعور بالاستقرار فيه، وبناءً عليه فيجب على الآباء ألا يجعلوا بر أبنائهم بهم كالسيف المسلط عليهم كقول: (سوف أغضب عليك) فهنا يلتزم الأبناء بفعل ما يكرهونه حتى يرضوا آباءهم، ولو كان ذلك على حساب حياتهم الخاصة، التي يجب أن تكون مبنية على الرضا التام من الطرفين حتى يتحقق به الهدف والغاية من الزواج، بحيث يكون ناجحًا لبناء الأسرة وقائمًا على الألفة، والمودة، والاستقرار، والاستمرار في الحياة الزوجية.