انتعشت المنطقة الشرقية بموسمها، أول موسم على مستوى المملكة، الذي يقام من 14-30 مارس في أنحاء الشرقية. هذا الانتعاش غير مسبوق، ويعد نقلة نوعية للفعاليات، ونموذجا جديدا لاستهلاك المدينة. فعلى مدى أسبوعين تشهد تسع مدن فعاليات في موسم غني ومنوع. هناك فرق بين مدينة تحتضن عددا من الفعاليات ومدينة لديها استراتيجية متكاملة تخص الفعاليات. هذا الفرق شاهدناه بين جميع ما كان في الماضي من فعاليات فردية متنافسة وما يتم في موسم الشرقية الآن. فالأخير امتاز بالتنوع والتكامل والتنسيق ليتمكن سكان وزوار المنطقة من حضور أكبر عدد من الفعاليات التي تم توزيعها جغرافيا. يتميز الموسم كذلك بتنوع الفعاليات بين ما يمكن مشاهدته وتجربته، وشموليته، حيث إنه يشمل الفعاليات الثقافية والترفيهية والرياضية والموسيقية والمعارض والمطاعم الفاخرة. وبذلك يكون متوافقا مع جميع الأذواق والميزانيات. موسم الشرقية به دروس عدة للمدينة وتسويق الفعاليات وصنع الصورة الذهنية والحوكمة وغيرها ولكنني بالتحديد مهتمة بتبعات الموسم على المدينة. موسم الشرقية أعاد إحياء الفضاء العام في مدن الشرقية من خلال ضخ الحياة فيه بفعاليات جاذبة. وإن كانت هذه الفعاليات مؤقتة إلا أن ذكرياتها ترتبط بالذاكرة المشتركة لسكان المدينة وتساعد في تكوين ارتباط وثيق بين الإنسان والمكان عبر الزمن. عندما نفكر بالمدينة قد نكتفي بالجزء المحسوس منها من شوارع ومبان ومعالم طبيعية وصناعية. هل نعتبر السكان جزءا منها؟ هل يهمنا التسلسل التاريخي لفهم المدينة؟ وماذا عن الإنتاج الثقافي؟ لا بد أن نفهم المدينة الفيزيائية المحسوسة مقابل صناعة الثقافة والفعاليات ليتكامل المحسوس والرمزي في إعادة تشكيل هوية المكان. لطالما نعتبر المدينة مكانا ثابتا يتغير ببطء عبر السنوات، ولكن الفعاليات تكون بمثابة طبقات فوق بعض تعيد تشكيل المدينة وإن لم تتغير فيزيائيا بالشكل الكبير. إدراكنا للمدينة بأبعادها المختلفة وتقاطعها مع حياتنا يجعل نظرتنا الشخصية تتغير من حيث مشاعرنا وآرائنا تجاهها، حيث إنها قد تعني أمورا مختلفة لأناس مختلفين. بعض أجزاء المدن لا تتغير كثيرا عبر العقود ولكن الفعاليات هي آلية أسرع وأقل تكلفة وأكثر فائدة لتغيير هذا المكان. تتوجه المدن عالميا لتصنف ك«مدينة حافلة بالفعاليات» (the eventful city) حيث تسوق المدن نفسها من خلال المهرجانات والفعاليات. ارتبط المفهوم بالعولمة والسياحة والاقتصاد وغيرها واستخدم كاستراتيجية عالمية لرفع جودة الحياة والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية. الترفيه والفعاليات ليست فقاعات تختفي ويختفي أثرها وليست هي الهدف بحد ذاتها، بل هي جزء من استراتيجية تنموية واسعة النطاق لها فوائد اجتماعية وثقافية واقتصادية. عندما تتحول المدينة إلى مسرح يستضيف سيلا متواصلا من الفعاليات فهي تخلق فرصا للعمل والتطوع وتجمع ذوي الاهتمامات والهوايات المختلفة في مجتمعات تعزز من مهاراتها، كما أنها تخلق فرص الشراكات بين القطاع العام والخاص وتنمي الجانب الإبداعي والريادي لدى السكان. أما على مستوى المدينة فهي تحسنها وتجعلها أكثر جاذبية وقابلية للعيش.