يقال إن تولستوي الكاتب الروسي والروائي الكبير كان يحب زوجته حبا شديدا، وهي مولعة به وعاشقة له، ولكن لم يكن بيتهما هادئا كما نظن، بل كانت النقاشات الحادة والمزعجة تطل بوجهها من وقت إلى آخر. وقد تخاصما يوما، فخرج مغاضبا، ولكن هذه المرة خرج ولم يعد حيث وجدوه ميتا على مقاعد الانتظار في إحدى محطات القطار. ويذكر أيضا أن أبا الحكمة والفيلسوف المشهور سقراط كان يحب زوجته (زنتيب)، ولكن المشكلة أنها كانت سليطة اللسان، ودائما تعاتبه لأنه لم يكن يأخذ أجرا على تعليم وتدريس الحكمة للناس مع فقره؟. وكان هو يتحلى ببرودة الأعصاب حتى أنها يوما كانت مغتاظة منه، فصبت على رأسه دلوا من الماء! فقال بهدوء: أكيد أنها بعد أن ترعد (يعني الصراخ) لا بد أن تمطر! وهو القائل: تزوجوا فإما أن تصبحوا سعداء، أو أن تصبحوا فلاسفة ! صحيح أن الحب في الحياة الزوجية هو شعلة دافئة. وقد جاء في الحديث أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه- سأل الرسول عليه الصلاة والسلام: أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة - رضي الله عنها-. ولكن هل الحب وحده يكفي؟ بل معه تأتي أشياء أخرى من أهمها الواقعية. والحب في الحياة الزوجية ليس بالحالة المثالية الدائمة، وهو أيضا ليس بتلك الرعونة والاستخفاف التي نسمع ونرى على الشاشات، والتي فيها الكثير من المبالغات والحوارات والدراما من أجل الإثارة وشد المشاهد إليها. بل الحياة الزوجية هي أقرب للواقعية منها إلى الخيال. وكلما اقترب الزواج من الأشياء الأخرى مثل الواقع والمحيط الأسري والاجتماعي كان أكثر ثباتا واستقرارا ودفئا. وقد نشأ جيل متعلق بالجوالات والمسلسلات والسنابات ويعتقد البعض منهم أن الزواج يُبنى على الحب فقط، والواقع أن هناك أعمدة أخرى تحمل بيت الزوجية منها طول وحسن العشرة، والصبر، والتغافل. والزواج ماراثون طويل ويحتاج إلى نفس عميق، وأن توزع جهدك وفكرك وعاطفتك على طول تلك الطريق حتى لا تستنفد. والأمر الآخر أن الانفتاح العالمي والتقني بالأخص وسائل التواصل الاجتماعي والانغماس فيها حتى النخاع كان لها دور قوي جدا في التأثير على هذه العلاقة التي سماها الله في كتابه العزيز (ميثاقا غليظا)، ووصفها أيضا ب(المودة والرحمة) حيث يفترض أن الزوجين يسيران بين هذين الخطين بخطى ثابتة. وهذا الضغط الهائل من وسائل التواصل الاجتماعي على الحياة الزوجية جعل الكثير من أسرار البيوت عرضة أن تصبح مكشوفة، إما بالتلميح تارة أو التصريح تارة وذلك من خلال واتساب أو تويتر وإنستغرام وسناب وغيرها سواء جهلا أو خطأ. ومن الملاحظ أن البعض يتساهل في أن يشارك الآخرين عبر تلك الوسائل ما يحدث أو يقال من كلمات أو مفاجآت سواء أسرية أو زوجية. وحين تخرج تلك الأمور إلى العالم تفقد لذة المودة والحب ويتبخر المعنى منها. وإن من جماليات الزواج والبيوت هي تلك اللمحات والأسرار التي تجمع بينهم والذكريات. وهذا يشدنا إلى أن نتساءل بتعقل ما الفائدة المرجوة التي تجعل البعض يشارك ويستعرض للعالم تلك الهدايا أو المفاجآت أو الكلمات التي هي بين الزوجين وللأسرة خاصة؟. وهنا يكمن الفرق بين المثالية الظاهرة الحالمة والواقعية الهادئة. ونتساءل أيضا كيف يختلط الحب والزواج وأشياء أخرى؟ ربما حين يكون خيالا ممزوجا بواقعية، وأن يمشي على الأرض، فلعل ذلك يكون له أدوم وأجمل.