عندما نتحدث عن الصناعة وتوطينها والاستثمار في هذا المجال ننطلق في الغالب من الأعلى ولا نتحدث عن القاعدة الصناعية، بمعنى أن الدخول إلى هذا المجال للوهلة الأولى يشعرك بالرهبة والخوف وعدم الحماس لاقتحام هذا المضمار بسبب أننا عندما نرغب في التصنيع يتطلب الأمر ملايين الريالات لإنشاء المشروع من بدايته ومن ثم التسويق والانتشار وربما يتعرض صاحب العمل إلى الفشل ويخسر جميع ممتلكاته التي وضعها في هذا المشروع؛ لأننا نعتقد أن النجاح في الصناعة لا يمكن إلا بتأسيس موقع ضخم وتجهيزات كبيرة وهذا ما ينافيه الواقع، فأغلب المصانع العالمية الكبيرة التي لها اسم وانتشار على المستوى الدولي بدأت من غرفة وموقع متواضع ومن ثم انطلقت نحو العالمية بخطى ثابتة ومهمة. الشعور النفسي الذي يصاحب المستثمر الراغب في تأسيس مشروعه الخاص وبالذات عندما يعلم أنه يجب عليه تأمين ملايين الريالات قبل الانطلاق في مسيرته، بالتأكيد يلقي بظلاله على هذا النوع من المشاريع ويجعل تحقيقها مستحيلا وكم تراجع الكثير من الناس أصحاب الأفكار المميزة عن مشاريعهم؛ نظرا لصعوبة تحقيق تلك المبالغ التي يعتقدون أهمية تأمينها قبل البدء في أي مشروع. لو نظرنا إلى أغلب الأسماء التجارية من عشرات السنين في جميع دول العالم بدون استثناء لوجدنا أنها انطلقت من معمل صغير أو غرفة أو ربما طاولة في جزء من المنزل، فالبدايات عندما تكون متواضعة تتحول مع العزيمة والإصرار وتوفيق الله قبل كل شيء إلى نجاحات عظيمة، يروي لي أحد تجار الملابس السعوديين ممن عمل في هذا المجال لسنوات طويلة وكان يستورد أفضل الخامات والتصاميم من بعض المصانع في بعض الدول العربية القريبة أنه كان يعتقد أن تلك المصانع تحتل مساحات واسعة وإمكانات كبيرة نظرا لجمال منتجاتها وجودتها ولكنه تفاجأ بعكس ذلك عندما زارها بأنها أقرب إلى المعامل وعدد عمالة بسيط وانطلاقتها كانت من غرفة متواضعة وتوسعت مع الوقت حتى تحولت إلى مصنع يصدر منتجاته إلى أغلب دول العالم ومثلها الكثير من الصناعات. لدينا نستطيع أن نبدأ من الصفر وليس بالضرورة البدء من القمة؛ لأن السيولة لا تتوافر للجميع وتوجد نماذج محلية كانت انطلاقتها متواضعة وحققت مع الوقت انتشارا في جميع مناطق المملكة ودول الخليج مثل بعض مصانع الأثاث والملابس والأغذية وغيرها. «هنري فورد» بدأ بشركته عام 1905 من لا شيء، وبعد 15 سنة أصبح صاحب أكبر شركة بين شركات السيارات في العالم، وكذلك مؤسس شركة هوندا الذي بدأ متواضعا في تصنيع بعض الدراجات البسيطة ومن ثم تحولت شركته إلى أهم الشركات العالمية في السيارات، وأيضا والت ديزني الذي أنشاء شركة والت ديزني العالمية بدأ بالعمل لدى مؤسسة إعلان صغيرة مقابل 50 دولارا شهريا وحقق انطلاقته العالمية باكتشاف فأر ( ميكي ماوس ). البدايات ليس مخجلا أن تكون متواضعة لكن بالعزيمة والإصرار تتحول إلى منارات اقتصادية مهمة يستفيد منها أبناء البلد.