أكبر إنجاز يمكن أن يحققه المعلم لطلابه أن ينجح في غرس الشعور بمسؤوليتهم الذاتية عن تعلمهم، وأن يكسبهم الشغف بالمعرفة ويشجعهم على اكتسابها من مصادرها المختلفة. نحن بحاجة إلى إستراتيجية تعليمية في عصر المعلوماتية تمكن الطلاب من استيعاب معطيات العصر وما أحدثه من تغيير جوهري في مفهوم التعلم وطرائقه دون أن ينحصر بجدران القاعات والفصول الدراسية. ومن هذه الإستراتيجيات التعلم الذاتي Self-learning التي تمكن الفرد من التعلم في كل الأوقات وطوال العمر خارج المدرسة وداخلها، وهو ما يعرف بالتربية المستمرة. ويعرفه «نولز Knowles» بأنه «العملية التي تتيح للفرد المبادأة في تشخيص حاجته للتعلم، وصياغة أهدافه التعليمية، وتحديد مصادر المعرفة، ووضع خطة تعليمية ملائمة، وأخيرا تقييم نتائج تعلمه». فهو النشاط التعلمي الذي يقوم به المتعلم مدفوعا برغبته الذاتية بهدف تنمية استعداداته وإمكاناته وقدراته مستجيبا لميوله واهتماماته بما يحقق تنمية شخصيته وتكاملها، والتفاعل الناجح مع مجتمعه، وفيه نعلم المتعلم كيف يتعلم ومن أين يحصل على مصادر التعلم. وتظهر أهمية التعلم الذاتي في أنه يوفر لكل متعلم تعلما يتناسب مع قدراته وسرعته الذاتية في التعلم ويعتمد على دافعيته للتعلم، يأخذ المتعلم دورا إيجابيا ونشيطا في التعلم، كما يمكن التعلم الذاتي المتعلم من إتقان المهارات الأساسية اللازمة لمواصلة تعليم نفسه بنفسه ويستمر معه مدى الحياة. ودور المعلم في التعلم الذاتي يبرز في الخطوات التالية: 1- التعرف على قدرات طلابه وميولهم واتجاهاتهم من خلال الملاحظة المباشرة والاختبارات التقويمية البنائية والختامية والتشخيصية، وتقديم العون للمتعلم في تطوير قدراته وتنمية ميوله واتجاهاته. 2- إعداد المواد التعليمية اللازمة مثل الرزم التعليمية، مصادر التعلم، وتوظيف التقنيات الحديثة كالتلفاز، الأفلام، الحاسوب في التعلم الذاتي، وفي عصر الإنترنت وتقنياتها بات كل شيء متاحا ومتيسرا، وشمل ذلك الجانب التعليمي. فصار بإمكان الإنسان أن يتعلم الكثير من المهارات واللغات، ويكتسب العديد من الخبرات فقط من خلال مواقع الشبكة العنكبوتية. 3- تشجيع المتعلمين على إثارة الأسئلة المفتوحة وطرح مشكلات حياتية واقعية للنقاش. 4- تدريب الطلبة على المهارات المكتبية وتشمل: مهارة الوصول إلى المعلومات والمعارف ومصادر التعلم ومهارة الاستخدام العلمي للمصادر. 5- القيام بدور المستشار الميسر مع المتعلمين في كل مراحل التعلم. ومن الضروري أن يكتسب المتعلم المهارات التي يحتاجها ليمارس التعلم الذاتي، وقد حدد «وود وماك كيردي Wood, F. & McCurdy» ثماني مهارات منها لدى طلاب الجامعة، وهي: 1- مهارة الاستغلال الفعال لوقت الدراسة. 2- مهارة العمل المستقل. 3- مهارة التخطيط للأنشطة المتعَلمة وجدولتها. 4- مهارة استخدام ما سبق تعلمه ويرتبط بموضوع النشاط. 5- مهارة استخدام المواد والأدوات التعليمية المختلفة. 6- مهارة البحث عن إجابات الأسئلة. 7- مهارة العمل وفقا لسرعة المتعلم الذاتية. 8- مهارة استخدام مواد وأدوات المنهج المقرر بشكل مستقل. ومما يعزز دوافع المتعلم المسلم للتعلم قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ، وإِنَّ طالبَ العلمِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ، حتى الحيتانِ في البحر) صحيح الجامع 3914. و أخرج ابن عبد البر في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، البحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء... ).