قال القيادي المصري المنشق عن جماعة الإخوان الإرهابية مختار نوح: إنه من خلال توليه منصب المستشار السياسي للمرشد الثالث للجماعة عمر التلمساني، اطلع على أسرار التنظيم التي تحفل بعدد من الوقائع التي تعد بمثابة مفاجآت من العيار الثقيل، وأوضح أن قطر أصبحت ملاذا لقيادات وأعضاء الجماعة الهاربين من أحكام قضائية؛ نظرا لتطابق أهداف نظام الدوحة مع طموحات القيادات الإخوانية بتنفيذ مخططات دول معادية على حساب أمن واستقرار الوطن العربي. مؤكدا في حواره مع «اليوم»، أن السعودية ومصر تواجهان بحسم خطورة الجماعة، خصوصا بعد تورط عناصرها في مؤامرات مع أجهزة استخبارات أجنبية لقتل الأبرياء، من أجل الوصول إلى الحكم في عدة دول عربية.. فإلى متن الحوار. - اليوم: كيف اطلعت على أسرار التنظيم الإخواني ومتى قررت الانشقاق؟ - مختار نوح: كنت في منصب بالغ الدقة والحساسية، إذ كنت المستشار السياسي السري لكل مرشد جديد، واطلعت على تفاصيل وقائع عدة منها: أسباب تمسك أمريكا ب«داعش» و«الإخوان»، لتشكيل ضغط على عدد من الدول العربية في عدة قضايا، وارتكب القيادي بالجماعة خيرت الشاطر خطأ فادحا بالتخلص من السياسيين والدخول في صدام مع قيادات القوات المسلحة المصرية، ودون مبالغة، فمن يسيطر على التنظيم الآن هو خيرت الشاطر ونائبه محمود عزت، وليس باستطاعة أحد قيادته غيرهما؛ لأن القطبيين -مَنْ يتبنيان نهج سيد قطب الدموي- احتلا الجماعة ولن يسمحا لأحد بالسيطرة عليها، فالتنظيم الخاص هو المسيطر، وموجود منذ وفاة المرشد عمر التلمساني، وبمجرد تولي مصطفى مشهور القيادة أعاده للواجهة، وفيما يخص سؤالك حول انشقاقي، فلقد اتخذت القرار بعد خروجي من السجن عام 2002، خصوصا أن التنظيم الخاص داخل الجماعة كان يرفضني حتى تمكن مني، كما عارضت صمت تنظيم الإخوان على وجود 463 في السجون في فترة الرئيس السابق مبارك، وتم التحقيق معي لهذه المواقف، وهنا يجب التأكيد على أن عمر التلمساني كان كلمة السر في التحول الفارق في أسلوب الإخوان، إذ اتفق مع الرئيس الراحل أنور السادات على وقف التنظيم السري، لذلك انقلبت عليه قيادات الجماعة، وسعوا لمحو دوره فلا يوجد كتاب يتحدث عن دور التلمساني باستثناء مقالات له جمعها وطبعها القاضي مصطفى العدوي، وبعد 1995 سيطر التنظيم السري على كافة قرارات الجماعة ليجيء عام 2000 ويبقى كل شيء تحت سيطرة القطبيين، لذلك اتفق مع التقارير التي تؤكد أن تنظيم داعش الإرهابي خرج من عباءة القطبية الإخوانية. ما حكاية شهادتك على تزوير انتخابات الرئاسة المصرية لصالح المعزول محمد مرسي؟ - شهدت بذلك في النياية، فقد ذهبت للإدلاء بصوتي في الانتخابات وكان برفقتي سائقي الخاص الذي ينتمي لنفس دائرتي الانتخابية، وفوجئت به يعرض عليّ بطاقة تصويت مسودة لصالح مرسي فأخطرته بعمل محضر لدى القاضي، فرفض فهرولت سريعا للتقدم ببلاغ وأدليت بأقوالي، وبدون شك أن تنظيم الإخوان كان البديل الأنسب للإدارة الأمريكية في حكم مصر بعد مبارك، إذ كانت المشاورات بين السفيرة الأمريكيةبالقاهرة وقيادات الجماعة تشير إلى صفقة تعد خلف الكواليس، وهو ما تحقق بالفعل بالإيعاز لهم بالمشاركة في أحداث يناير 2011 بعد التأكد من سقوط نظام مبارك، والمخطط الأمريكي لتقسيم الشرق الأوسط يعتمد على الصراعات الدينية، وفي مصر حاولوا زرع الفتنة الطائفية لكنها فشلت، ولا يمكن استبعاد أي تنازلات إخوانية مثل التنازل عن سيناء لتكون جزءا من فلسطين كبديل لقطاع غزة، أو المشاركة في زرع الفتن والمؤامرات وتضخيم دور الجماعات الإرهابية لتكون سلاحا تهدد به الأنظمة العربية. لماذا كانت قطر وجهة الإخوان الهاربين من مصر؟ - عثروا على دولة تتحالف معهم في الهدف، قطر والإخوان يؤديان نفس الدور، وهو تمزيق وحدة الوطن العربي، وكان دور النظام القطري مستترا في دعم الجماعة وغيرها من التنظيمات الإرهابية لكنه ظهر علنا عندما بدأت الدوحة في التأكيد على رغبتها في حماية الإخوان في مصر وعدم سقوطهم، أي بات «اللعب على المكشوف»، والغريب أن قطر تحديدا لم تكن في حسابات قيادات تنظيم الإخوان في هذه الفترة، ولكن المصالح المشتركة هي مَنْ أوجدت هذا التعاون بينهم، والمرشد الخامس للإخوان مصطفى مشهور، كان يكرر عبارة «أنتم جيل التمكين»، لكن هذا الجيل لم يكن مستعدا لمخطط السيطرة على مصر، في وقت كانت الولاياتالمتحدة تمهد لهم الطريق عبر ما يطلق عليها الجمعيات الحقوقية الممولة والنشطاء، وبعد اشتعال شرارة 25 يناير 2011 في مصر أخذوا الضوء الأخضر من واشنطن في اليوم الرابع لهذه الأحداث بضرورة التواجد في ميدان التحرير، وفي خضم هذه التطورات كانت ترى قطر الفرصة سانحة لإيجاد دور في مصر، وحليفها التنظيم الإخواني أعلن ترحيبه بذلك عن طريق الموافقة على قرض مالي وإقامة استثمارات قطرية في مواقع إستراتيجية مصرية مثل: قناة السويس، لكن بعد الاستفاقة المصرية وإسقاط الإخوان في ثورة 30 يونيو 2013 أعادت القاهرة لنظام الدوحة قيمة القرض، الذي كان يبلغ 6 مليارات دولار، وكانت مصر على وشك قطع العلاقات رسميا مع قطر، حينها سعت الأخيرة إلى الحفاظ على ما تبقى من كيان الإخوان المتصدع باستقبال عدد من قياداته الهاربين بعد تورطهم في جرائم قتل ووفرت لهم وظائف مقابل مبالغ كبيرة. ما حجم التواجد الإخواني في الخليج؟ - السعودية انتبهت جيدا لخطورة تنظيم الإخوان الإرهابي وأجهضت كافة مؤامراته لإيجاد أدوار لأعضائه في مؤسساتها وأجهزتها، وينبغي على بقية دول الخليج أن تنتهج الأسلوب ذاته لأنه حتى لو كان تأثير عناصر الجماعة محدودا في منطقة الخليج، لكنه يظل خطرا، وهم حاليا في فترة ركود بعد الذي حدث لهم في مصر ولن يفتعلوا أية أزمات، فهدفهم الآن فقط العيش بأمان، إلا أن اجتثاث جذور هذا التنظيم من أي دولة هو الحل الآمن؛ لدرء أي خطر إخواني يحاك في الظلام. ماذا عن بقية الدول العربية؟ - تونس صفت تنظيم الإخوان عمليا، وفي كل الأحوال لن يأتي لهم دور في أية دولة إلا تحت شعار المصلحة وإذا لم تتوافر سيختفون، وعندنا في مصر، كان وجود عناصر الجماعة قويا ومؤثرا في النقابات المهنية ولا يزال لهم أذناب في مواقع قيادية، وبعض الموظفين المحسوبين على الإخوان يعرقلون عملي بالمحاماة، فهم يتهمونني بالخيانة لانشقاقي عن التنظيم وفضح أكاذيبهم. هل ينضم أعضاء جدد للإخوان رغم سقوط الجماعة؟ - بالعكس، هناك انسحابات كثيرة في الفترة الحالية من أعضاء الجماعة، وضعف شديد في الانتماء لهذا الكيان الإرهابي، وفي السجون المصرية حاليا نحو 70% من المحبوسين تأكدوا أنهم كانوا مخدوعين وارتكبوا جرائم بحق أنفسهم، ويجب على وزارة الداخلية المصرية استثمار ذلك الخلاف داخل الإخوان، لكنها للأسف الشديد حاليا هي مكلفة بالضبط وليس بالمعالجة، ولم تبدأ ترتقي بعملها كما حدث في أواخر عهد الرئيس السابق حسني مبارك، إذ حصل وأد لكثير من الأفكار نتج عنه عدول عناصر بالجماعة والجهاد عنها، وبرع نبيل نعيم وناجح إبراهيم في تحليل هذا الفكر، لذا المرحلة الحالية التي يمر بها «الإخوان» هي الانقسام الشديد والخلافات، التي اضطرت بعضهم إلى التقدم بطلب لتحويله من محبسه إلى سجن آخر لتفادي مواجهة عناصر يختلف معها، وبحوزتي حاليا ملف «الخارجون من الإخوان» وهي فرصة لاحتضانهم بعد أن تأكدوا أن الجماعة وراء القتل والحرق والسرقة وبث الأكاذيب عن طريق الميليشيات الإلكترونية، وأن كل ما حدث كان بتعليمات من قيادات إخوانية. وما مصير التنظيم الدولي للإخوان؟ - لا يوجد تنظيم دولي للجماعة، هو «وهم» كبير كانوا يروجون له ليكون فزاعة لمَنْ يختلف معهم، والذي يوجد على الصعيد الميداني «أفراد دوليون»، وهؤلاء يختلفون فيما بينهم أو تتوحد أفكارهم وفقا لمصالحهم الخاصة، فهم حلفاء الأمريكان في العراق وشاركوا في قتل الرئيس صدام حسين، وضد إيران في حال تقلص نفوذها ومعها إن كان لها دور في أية دولة، وفي ليبيا دخلوا الجحور وسيطر داعش، وبعد عزل نائب المرشد العام والأمين العام للتنظيم الدولي للجماعة، إبراهيم منير، ظلوا يتحدثون باسمه لإيصال رسالة إلى العالم مفادها أنهم يمتلكون تأثيرا دوليا، وأثناء وجودي في الجماعة، عندما أذهب لأية دولة كان يستقبلني أشخاص يمثلون الجماعة في هذه الفترة، ولم أجد تنظيمات دولية كما كان البعض يتحدث، وفي أمريكا ألقيت 7 محاضرات، وأفرد لي الوقت برفقة يوسف القرضاوي، فيما أقصي المتحدث باسم الجماعة في أوروبا، كمال الهلباوي، بعد أن خشيت بعض القيادات الإخوانية من تعاظم دوره واتساع نفوذه.