يظن كثير من الناس أن تاريخ الأمم يجري الإعداد له بدقة، وأن أفعالا عظيمة يحضر لها تسبق التحولات التاريخية، أو تغير مجرى الأحداث في أي حقبة زمنية تمر بها المجتمعات البشرية. لكن الواقع الذي يمكن استقراؤه من الماضي والحاضر يثبت خلاف ذلك، فكثير من مجريات الأمور في أغلب فترات التاريخ المدون تشير إلى أن الأحداث الجسيمة التي يمر بها مجتمع أو إقليم معين مثل: الحروب، المجاعات، والكوارث الطبيعية، أو تكون كونية مثل: الابتكارات العلمية التي تغير عوامل الاقتصاد السائدة، أو الكساد العالمي، إلى غير ذلك من الأسباب، هي التي تؤدي إلى تحولات حقيقية في تاريخ الأمم. وهي في مجملها صدف أو أحداث غير متوقعة، وليست من الأمور التي يجري التخطيط لها. سيقول بعض من يقرأ هذا الكلام، إن القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية للأمم لا بد أن يتم التخطيط لها بعناية، ووفق شروط منطقية لا تخضع للصدفة، وهذا صحيح فيما يخص هذا الجانب. لكن التاريخ ليس هو نشأة الدول أو ازدهارها أو الحروب والمعارك وأسماء أبطالها، كما كانوا يلقنوننا ذلك في كتب التاريخ المدرسية، بل هو مجمل التغيرات التي يتعرض لها البشر على كافة المستويات. فالتحولات التقنية وتغير عوامل الاقتصاد الكوني، وتطورات تفكير البشر في المجالات العلمية والعملية، وطرق الاهتمام بالبيئة وعوامل التغيير فيها، كل ذلك يؤثر في تهيئة الأسباب لصناعة الظروف الحياتية للمجتمعات، التي هي مكونات تاريخها وأساس لطرق تفكيرها في صناعة المستقبل. نعرف من بعض المنعطفات التاريخية، أن اكتشافا مهما واحدا يكون كفيلا بتغير الأحداث المرتبطة بحياة الناس، الذين كانوا يعيشون على منتج سابق لذلك المنتج المكتشف، أو يكون أحد العناصر التي لم يحسب لها حساب سببا مباشرا في خسارة حرب مصيرية، وتحول في التاريخ بسبب تلك الخسارة. من ذلك مثلا انتكاسة الجيوش الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية بأثر من شدة البرد والثلوج التي قابلتهم في روسيا، وعدم قدرتهم بالتالي على إطعام الجنود، خاصة مع التكتيكات التي طبقها الروس بالانسحاب من أي مدينة يقترب منها الألمان. فلا يجدون فيها أحدا، ولا طعاما حتى قضى عليهم البرد والجوع. فأحداث التاريخ يبدو أنها تشبه لعبة كرة القدم، حيث تسود فيها الصدفة الإيجابية (أو الحظ الذي يلازم بعض اللاعبين أو الفريق بكامله) في بعض المباريات، في حين يلازم الفريق نفسه عدم التوفيق في مباريات أخرى، حتى وإن كانت عناصره قوية وقادرة موضوعيا على الفوز وتحقيق النتائج. فهذه اللعبة تشبه صناعة السياسة وتسلسل الأحداث التاريخية في كون القوة متطلبة، ويمكن الإعداد لها بحكمة ومنطق محسوب، لكن النتائج ليست دائما متوافقة مع منطق القوة. إذ تكون هناك كبوات لفرق عالمية كبيرة فيها أسماء لامعة، أو منتخبات عريقة يظن كثير من الناس أنها مرشحة للبطولة التي تشارك فيها، ثم يفاجأ المتابعون بأنها باهتة في أدائها، ولا تتوافق مع ما يرتبط بالأذهان عند ذكرها في سياق المنافسات والترشيحات. ولست في هذا المجال بصدد التقليل من شأن التخطيط للحصول على تاريخ مشرف، حتى على المستوى الشخصي، لكني وددت الإشارة إلى أن الأحداث أحيانا لا تتوافق مع الخطط. لذلك يلزم الاستعداد على المستوى الشخصي أو الجمعي لمفاجآت الأحداث التي تغير الظروف.