جاءت فكرة إقامة مهرجان التراث الوطني بالمملكة العربية السعودية، تحت مُسمى «مهرجان الجنادرية»، في 1985م، وباتت تتطور وترتدي أجمل الحلل وأبهاها عاما بعد آخر. ويمكن بجلاء ملاحظة ذلك، حيث يندر أن يحل مهرجان دون أن تشعر بفرق حقيقي عن النسخة السابقة منه. وحظي حفل افتتاح المهرجان لهذا العام بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الذي كرم ثلاثة من أبرز الشخصيات المحلية، وهم عالم الرياضيات علي بن عبدالله الدفاع، والكاتب والأديب عبدالفتاح أبو مدين، والطبيبة سمر بنت جابر الحمود، حيثُ تم منحهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى. وها نحن نشهد خلال الأيام الحالية الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان الذي يلعب الدور الأكبر في إبراز عناصر التراث الثقافي للمملكة، حيثُ بدأت فعاليات الدورة مُنذ 20 من شهر ديسمبر الجاري، وسوف تستمر حتى 9 من شهر يناير المُقبل، وذلك تحت شعار «وفاء وولاء»، وهو شعار يجسد معاني وطنية نبيلة، تعبر عن الحب والولاء والوفاء لقيادتنا الرشيدة. ويشهد المهرجان هذا العام إقبالا مميزا من كافة الشرائح السنية، حيثُ يتوافد إليه كافة عشاق التراث والأصالة، ليس من المملكة العربية السعودية فحسب بل من العالم أجمع، وحظي المهرجان الذي تنظمه وزارة الحرس الوطني، بحضور كبار الأدباء والمفكرين. وجاءت دولة إندونيسيا بصفتها ضيفة شرف لهذه الدورة، لتمنح الزوار فرص الاطلاع عن قرب على فلكلورها المتنوع، وليشكل حضورها تأكيدا على العلاقات التاريخية المميزة بين البلدين المسلمين. ويؤدي المهرجان دورا مهما في التعريف بمفاصل التراث الثقافي للمملكة العربية السعودية، وذلك عن طريق عرض كافة الأنشطة والحرف التي كانت سائدة قديما، مع استخدام كافة أدوات التكنولوجيا الحديثة في عرض ذلك التراث بشكل مسموع ومرئي. فعلى سبيل المثال نجد أن هناك مجموعة من ورش العمل المُنتشرة في كافة أرجاء المهرجان، التي تعرض حوالي ثلاثمائة حرفة يدوية، وذلك من أجل إبراز ما كان عليه الآباء والأجداد في الماضي، وكيف توصلوا إلى تلك الحرف بعد جُهد وعناء كبير للغاية. كما يشمل المهرجان السوق الشعبية التي تتميز بها مناطق المملكة، والتي تعمل على عكس التنوع الكبير الذي يتسم به الموروث السعودي، وترسم صورة أكثر واقعية لكافة عناصر ذلك التراث، وذلك عن طريق مجموعة من الدكاكين وورش العمل. وأهم ما يُميز الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان الجنادرية فئات متعددة من المجتمع، من كافة الشرائح السنية، والتعليمية، من الجنسين، في الفعاليات المتنوعة التي يشهدها المهرجان الذي يمتد إلى ثلاثة أسابيع، حيثُ يتم استقطاب الموهوبين والموهوبات في كل من فن الرسم والزخرفة وغيرها من الفنون الجميلة، وكذلك ينال ذوو الاحتياجات الخاصة نصيبهم من المشاركة والتفاعل في المهرجان. ويمكن القول إن المهرجان بات يشكل بصمة جميلة ومقصدا لأعداد متزايدة من الزوار من الداخل والخارج في هذا الوقت من كل عام، ونأمل أن يحقق أقصى استفادة منه لصالح الوطن والمواطن.