ها نحن على أعتاب نهاية الإجازة المدرسية بين الفصلين الدراسين وهي تمر سريعا في الغالب. والبعض يراها فرصة مناسبة ليأخذ إجازة من العمل ليوافق تلك الفترة. وفي نفس السياق والتوقيت تداولت الأخبار أن هناك شركات قامت بتجربة إعطاء بعضا من موظفيها إجازة ثلاثة أيام في الأسبوع بدلا من يومين!. وهنا نطرح تساؤلا، وهو لماذا نحتاج الإجازة؟ ولعل هناك عدة أسباب، ومن أوضحها هو كسر الرتابة و الروتين، و من أجل تجديد النشاط و العودة بروح جديدة للدارسة أو العمل، فالنفس البشرية ملولة ولو كانت في قصر رفيه ومنيف. ومنها إن الإنسان مهما على منصبه أو انخفض يحتاج إلى أيام و ربما أسابيع للبعد عن ضجيج الحياة و الاسترخاء والتفكير من غير الضغوط الدراسية أو العمل. ففي هذه اللحظات والأوقات تتدفق الأفكار الجديدة و الخلاقة والمبدعة. وحين خرج نيوتن من لندن إلى الأرياف (إجازة قسرية بسبب الطاعون) أخرج لنا ثلاثة قوانين فيزيائية خالدة غيرت مجرى العلم والتاريخ، وأثرت حتى على الفكر الفلسفي في القرن السابع والثامن العشر الميلادي. ومنها أنها فرصة ليتفكر الإنسان في شريط حياته و الطريق الذي يسير عليه، و الاختيارات التي اتخذها لنفسه، فكل إجازة هي فرصة للخروج من الضغوط الحياتية اليومية العملية ( كالخروج من الصندوق) للمراجعة الدورية لما نقوم بها من أعمال أو دارسة أو بحث أو تخصص لمعرفة هل ما نقوم به يلائمنا أو لا ؟، وهل هو مجالنا الذي سنبدع فيه؟. ولكن مع تلك الضغوط دعونا نتذكر دائما أن كل إنسان ميسر لما خلق له، فالإمكانيات الذهنية والنفسية والجسدية تختلف من شخص إلى آخر وهنا يأتي التكامل فيما بيننا، و تلك من جماليات التنوع و الاختلاف في الأدوار. ومن مميزات الإجازات القصيرة منها أو الطويلة أن يتخذ فيها الإنسان لحظات الصفاء و العزلة الذهنية و الجسدية ليشحن بطاريته من جديد لمواصلة السير. وقد كان غاندي على سبيل المثال يعتزل الناس يوما واحدا في الأسبوع ولا يتحدث إلى أحد أبدا. ومن فوائد الإجازات الانغماس في عمل وتطوير الهوايات والتي لا نجد لها الوقت الكافي أثناء الدارسة أو العمل، وقد يكون هذا هو الجانب المضيء في حياتنا، وهو الذي قد يصبح فيما بعد شغلنا الشغال و الدائم إذا أحسنا استغلال تلك الهوايات و المواهب. وقد نترك أثرا بالغا في الحياة و التاريخ، فقد كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (الملقب بأبي الفلسفة الحديثة) مهتما و متخصصا في الرياضيات، وكان يقضي وقته الآخر في قراءة كتب الفلسفة و الكتابة عنها. والعالم اليوم يتذكر فلسفته أكثر مما كان يعمله في مجال الرياضيات و التخصصات الأخرى. والمفكر الجزائري مالك بن نبي -رحمه الله- كان مهندسا كهربائيا وموظفا و مديرا عاما، ولكن التاريخ يذكر كيف أبدع في سلسلة كتبه مشكلات الحضارة وشروط النهضة. والإجازة هي فرصة جدا مواتية لمن يعشق و متيم بالعمل التطوعي أيا كان شكله، فالمتطوع في العمل الخيري يتنفس الحياة من خلال خدمة الآخرين و المجتمع، وتلك فضيلة و نعمة والإجازات هي فرصة للعطاء. و السعيد حقا هو الذي يعطي ولا ينتظر المقابل، كمن يضع بذرة في الصحراء ويمشي في طريقه ولا يلتفت. وأعتقد أن الذي سيبقى لنا هو ما نُعطي لا ما نأخذ! والبعض منا سيشعر بسعادة بالغة حين تنقضي إجازته وقد كانت مثمرة ومنظمة ما بين وقت للموهبة و وقت للتفكير و وقت للراحة. وباختصار شديد الإجازة مع الفراغ هي مفسدة للنفس و نقصان في العقل و وذبول للجسم.