أصبح حديث الميزانية في مثل هذا الوقت من كل عام يلقى اهتماما متزايدا من المواطنين لما يظهر له من آثار مباشرة على حياتهم اليومية خاصة على ضوء الأحوال الاقتصادية السائدة في العالم أجمع والتقلبات التي تشهدها أسعار السلع والخدمات في كافة الدول إقليميا وعالميا. ولا شك أن المواطن يظل قلقا على أن تتأخر أحواله المادية والمعيشية كل عام، لكن إعلان الميزانية هذا العام وفي السنوات الأربع الأخيرة يجيء في كل مرة ليؤكد حرص الدولة على تجنيب المواطنين أية آثار، بل المحافظة على أكبر قدر ممكن من مكاسبهم ومنحهم البدائل التي تعوض بعض ما يتم اتخاذه من إجراءات للمحافظة على الوضع الاقتصادي الوطني وتجنيبه أية آثار تأتي انعكاسا للأحوال الاقتصادية العالمية. وما صدور الأمر الملكي باستمرار منح علاوة غلاء المعيشة وإلى حين استكمال تنفيذ منظومة الحماية الاجتماعية واستمرار العمل بحساب المواطن والاستمرار أيضا في صرف زيادة مباشرة في مكافآت الطلاب بنسبة 10% إلا أمثلة قليلة من كثير من الإجراءات التي تعمل على المحافظة على الاستقرار الاقتصادي للمواطن وتخفيف الأعباء المعيشية عليه.. بل أكثر من ذلك فقد شهدت ميزانية هذا العام نموا وزيادة عن ميزانية العام الماضي بنسبة بلغت 7% تقريبا، حيث بلغت هذا العام ألفا ومائة وستة مليارات ريال وهو أعلى رقم تبلغه الميزانية السعودية في تاريخها، ولعل نظرة سريعة على الرقم الذي بلغته أول ميزانية سعودية عام 1934 وهو أربعة عشر مليون ريال فقط ورقم الميزانية الأخيرة تستوجب رفع أكف الضراعة إلى الله بالشكر والدعاء أن يديم على هذا البلد الأمن والرخاء. كما أن نظرة ممعنة في أرقام الميزانية وأجزائها وفصولها وأوجه صرف النفقات وتنفيذ المشاريع وتمويلها تؤكد مرة أخرى أن المواطن وراحته ورفاهيته هو المستهدف الأول بهذه الميزانية، ويتضح ذلك من خلال استعراض سريع لأهم مجالات الإنفاق التي خصص منها مائة وثلاثة وتسعون مليار ريال للتعليم ومثلها تقريبا للصحة والتنمية الاجتماعية، وكذلك مثلها للإنفاق العسكري في ظل الأخطار الخارجية التي تستهدف المملكة فيما خصصت نسب متفاوتة أخرى للخدمات البلدية والأمن والمناطق الإدارية والموارد الاقتصادية والتجهيزات الأساسية والبنود العامة، مما يوضح التوازن في المخصصات تبعا لحجم هذه المجالات وأهميتها وضرورتها والحرص على استمرار الخدمات بمستويات جيدة بل وتطويرها لما هو أفضل -بإذن الله-، مما سيعزز المكاسب التي وصلت إليها الدولة خلال السنوات الأخيرة من ارتفاع الصادرات غير النفطية خلال العام الماضي بنسبة بلغت 25% عن العام الذي قبله وانخفاض نسبة البطالة إلى 12.8% ووصول مشاركة القطاع الخاص السعودي إلى 42% تقريبا مما يمكن القول معه إن العام الماضي هو عام احتواء البطالة بين السعوديين والانطلاق لتعزيز هذا الإنجاز مستقبلا، وكذلك من العلامات الفارقة أيضا تخصيص (12) مليار ريال لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي هي إحدى مرتكزات رؤية المملكة 2030 ومن أهم الأذرعة في مكافحة البطالة، كما أن الملاحظ أن 65% من الميزانية قد خصص للقطاع الإنتاجي وزيادة تمكين المرأة في القطاع الخاص وزيادة عدد التراخيص للمستثمرين غير السعوديين التي وصلت إلى حجم استثمارات بلغ 76 مليار ريال، وهذه كلها مؤشرات على نتائج أفضل في الأعوام القادمة -بإذن الله-. حفظ الله الوطن وأهله وأدام عليه نعمه والحمد لله رب العالمين.