تكررت في الأسابيع الماضية صور المدن التي غرقت إثر الأمطار التي هطلت على المنطقة. تحولت شوارع بعض الأحياء والطرقات إلى أنهار جارفة وتحولت الميادين والأنفاق إلى بحيرات. وإن كانت الأنهار والبحيرات ميزات طبيعية في المدن التي نسافر لها ونستمتع بزيارتها، إلا أن المتعة تنتهي عندما تدخل المياه إلى البيوت دون استئذان وتجرف السيارات معها. السؤال الذي يتبادر إلى ذهني هو: كم من مرة يسمح لنا بالتفاجؤ بتكرر حدوث نفس الشيء؟ ينسب للعالم ألبرت آينشتاين (Albert Einstein) مقولة «إن تعريف الجنون هو فعل الشيء نفسه مرارا وتكرارا، ولكن توقع نتائج مختلفة». فما الذي فعلناه للتعامل مع كميات الأمطار التي تهطل؟ في السابق كانت ترافق أخبار الأمطار إحصائيات عن كمياتها «غير المسبوقة» و«التاريخية». وإن كنت لا أنكر ذلك، إلا أن أسباب غرق المدن يرجع إلى أكثر من كميات هائلة من المطر. بعض تلك الأسباب على سبيل المثال لا الحصر هي سوء تصميم وتنفيذ الأحياء وطمس الأودية ومجاري السيول، وانعدام شبكات تصريف السيول أو عدم اكتمالها، وعدم التقيد بالمواصفات والمقاييس، وعدم قدرة الأرض على امتصاص المياه؛ بسبب ارتفاع منسوب مياه الأحياء أو قلة المسطحات غير المسفلتة لتسمح بنفاذه. جملة هذه الأسباب إن كانت موجودة بسبب قلة كفاءة (أو دبرة) لها تأثير سيء، ولكن هذا التأثير يتفاقم سوءا عندما تتوفر الأسباب مع وجود فساد. من معايير تقييم ونجاح المدن مبدأ مرونة المدن (resilience). ويمكن تعريفها على أنها قدرة المدينة على الصمود أو العودة إلى الوضع الطبيعي بشكل سريع. أي أنها القدرة قابلة القياس للمنظومة الحضرية وسكانها في المحافظة على الاستمرارية رغم الأزمات، بينما تتكيف بشكل إيجابي وتتحول باتجاه الاستدامة. وبينما تسعى المدن للمرونة فإن الإستراتيجيات التي تتبناها تختلف من مدينة لأخرى. فالمرونة قد تعني التعامل مع السيول أو ارتفاع نسب الجرائم أو قلة المساكن، وقد تعني التنمية الاقتصادية أو العدالة الاجتماعية، وهي بالتأكيد تتقاطع بشكل واسع مع مفهوم جودة الحياة. مرونة المدينة التي تسعى لها هي نابعة من السياق البيئي والحضري والاجتماعي والاقتصادي الخاص فيها، وتترجم هذه الإستراتيجيات إلى مشاريع تحل أكثر من تحد في نفس الوقت. من خصائص المدن المرنة أنها تتعلم من التجارب السابقة وتجد البدائل في استخدام مواردها، ولديها أنظمة قوية ومدروسة، ولديها احتياطات تفوق الحاجة الآنية تحسبا للطوارئ. كذلك يفترض أن تتعامل بمرونة مع الظروف المتغيرة وتتحلى بشمولية المشاركين في اتخاذ القرار وتكون ذات مؤسسات تكاملية. الحلول والتصاميم التي تطبق في مدننا لم تتغير كثيرا عبر العقود الأربعة الماضية، بينما الاحتياج تضاعف والظروف اختلفت. لم يعد من المناسب محاولة تغطية المدينة بحلول قديمة تتعدى إمكانيات التنفيذ والتشغيل. هل تتحلى مدننا بالمرونة بالنظر إلى الخصائص المطلوبة؟ قد تتفاوت المراكز الحضرية في ذلك، ولكنها لا تلبي طموحنا. نحتاج حلولا إبداعية لجعل مدننا تتحلى بالمرونة. [email protected]