أنا مثل أي واحد منكم مغرم بالتطوع وبالمتطوعين، والأعمال المدنية الأهلية عموما التي دوما ما تساهم بدور رئيس في البناء الهيكلي العام لكل أمة تريد أن يكون لها كلمة حاضرة بين الأمم. وأكثر ما رأيت ما يمثل قوة العمل الأهلي المدني التام الاعتماد على نفسه هو في لبنان، في زيارتي الحالية له. بحكم اهتمامي الاجتماعي زرت جمعية دار الأيتام الإسلامية في بيروت. لم أكن وحيدا بالزيارة، فقد بدأت من مبادرةٍ من شقيقتي نعيمة رئيس مجلس إدارة جمعية ود، برفقة زوجتي فوزية المطلق، وشقيقتي د. منى. رتبنا الزيارة جماعةً لولعنا بقوة العمل التطوعي. المقال لا يسع أن أسهب في شرح مدى إعجابي في هذه المنظومة التطوعية الخيرية والميدانية والتعليمية والتدريبية والإيوائية. لكني تصديقا وإيمانا بقوله تعالي: «وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون»، فالله يطلب منا القصد والنية والعمل الذي طابعه النبل والشهامة وحب الخير للناس، ومتى طهر ذلكم المقصد والنية والعمل تضاعف العمل وأتى عجبا. ورأيت بأم عيني أعمالا تطوعية تبدأ في مجتمعنا السعودي صغيرةً، ثم أزورها بعد مدة فإذا البذرة ليست شجرة بل دغلاً كثيفًا من الأشجار. عرفوا لنا جمعيتهم، من الأيتام إلى كبار السن، والمدارس الخاصة لمن يحتاجون تأهيلاً وتدريبًا خاصًا.. ومؤسسات أخرى وصلت في مجموعها لستين مركزا متخصصا. يعرّفون أنفسهم بأنهم منظومة تطوعية غير حكومية أنشئت بعد الحرب العالمية الأولى، مستقلة إداريًا وماليًا، ولا تتدخل في السياسة، وبعيدة عن الطائفية. وتستمد قيمها الإنسانية والأخلاقية من الدين الإسلامي الحنيف. وهذه المنظومة التطوعية هي حرفيًا ملك للمجتمع الذي أنشأها وحافظ عليها.. وصرف عليها. نعم، المعجزة أنه رغم كل مشاكل لبنان الحربية الداخلية والخارجية والصراعات السياسية الطائفية وفلتان النظام بكامل الدولة اللبنانية في أحداثٍ عنيفة كثيرة حصلت عبر ما يقارب قرن من الزمان، بقيت هذه المنظومة واقفةً ثابتةً شامخةً مزدهرةً، بل قالوا لنا إنهم ازدهروا أكثر في أوقات الكوارث والحروب، بحكم عملهم الإسعافي الاجتماعي. قرابة قرن كامل استمرت دار الأيتام الإسلامية اللبنانية رغم كل المصاعب الكأداء بالعمل.. لم تتعطل يومًا واحدًا! ما السر؟ لا سر إلا أن اللهَ كان يحرسها.