وأنت تسير على هدى أحلامك، تأكد من أنك تتبع شغفك وليس فقط هدفك.. هناك مَن يخطط لحياته وفق معتقداته وليس رغباته، وهناك فرق بين المعتقد والرغبة، فالأول يتشكل في حالات كثيرة من البيئة الاجتماعية والأيديولوجيا السائدة، بينما الثاني ينبع من الذات ويتجرد من المألوف وله دوافع مستقلة تمثل طبيعة الشخص وذائقته بالفطرة.. والذين يخططون لحياتهم طبقًا لمعتقداتهم المهذبة وفق نماذج المجتمع المثالية هم عادة النمطيون، وهم أيضًا «الناجحون التقليديون» بمقاييس المجتمع؛ لأنهم يتعلمون ويتزوجون ويتصرفون وفق نموذج معيّن يصوره لهم المجتمع على أنه النموذج الأمثل أو الأصلح.. وهؤلاء عادة يعيشون بشكل مستقر ونافع لأنفسهم ومجتمعهم بصرف النظر عن مدى سعادتهم، أو رضاهم الداخلي، فمنهم السعيد ومنهم المكتفي بالحد الأدنى من المُتع أو الاستحسان بحياته.. أما «المتمردون» فهم الفئة التي لا تقبل أن تحيا بالنمط السائد، والأهداف المستنسخة من الآخرين، ولأن هؤلاء يُنصتون لداخلهم أكثر من عالمهم الخارجي، ولهم فلسفة ذاتية لم تخترقها البرمجة المجتمعية بشكل كلي، فهم لا يتزوجون أو يختارون تخصصاتهم العلمية أو عملهم بالطريقة المثالية أو الطبيعية التي يصوّرها لهم المجتمع، بل بطريقتهم التي يصوّرها لهم شغفهم الداخلي متى ما أمكنهم ذلك.. والموضوع يتخطى قضية اختلافهم في طريقة التعلم أو الزواج أو حتى التفكير والسلوك إلى أمور أكثر وأبعد من ذلك، لكن الفكرة هنا أنه علينا النظر بشكل أكثر تقبّلا لفئة المختلفين؛ لأن التمرد على السائد والمألوف ليس خللًا إذا لم يمس حقوق الآخرين أو يكسر القانون؛ لأن الاختلاف سُنّة كونية في طبيعة البشر وشخصياتهم، بل إن محاولة تغيير هذا الاختلاف وتطويعه للسائد والمألوف في النظام الاجتماعي هو الخلل، واختراق للفطرة الطبيعية. المتمردون الشجعان هم الذين هزموا السائد والمكرر، وحققوا بعض شغفهم وما زال المألوف ينهزم أمامهم.. أما المتمردون الأقل بأسًا فيقفون في المنتصف، ولم يهزموا المألوف ولم يهزمهم.. أنصاف المُتع، أنصاف الحلول، أنصاف الأفكار، الأوضاع التقليدية، الطواعية، الخنوع، أنماط لا تتوافق مع المتمردين.. بينما الالتزام، الاجتهاد، التوافق مع النظام الاجتماعي والقيمي السائد واحترام العادات هي صفات الناجحين التقليديين.. وطبيعة المجتمع تحتاج للمنقادين للنماذج المثالية لتحقق الاستقرار، وتحتاج لبعض المتمردين لتحقق الابتكار والإبداع.. إن احترام الاختلاف والحريات الشخصية مهما بدت معاكسة للنمط المألوف طريقة حضارية وأخلاقية عالية في السلوك الإنساني، من الجميل أن نتخلق بها..