من المثير للقلق أن نرى هياج جماعات اليمين المتطرف تنتشر في شوارع أي مدينة، ولكن لأسباب تاريخية واضحة، فإن المشهد مقلق بشكل خاص في ألمانيا. في شيمنتيز بولاية ساكسونيا، احتشد المتطرفون هذا الاسبوع، فيما بدت الشرطة عاجزة أو غير راغبة في منع العنف العنصري العشوائي الذي تحدثه هذه الجماعات. كانت الذريعة التي انطلق منها اليمين، هي طعن رجل ألماني على يد مهاجم قيل إنه من أصول سورية أوعراقية، ولكن وكما لاحظ رئيس وزراء ولاية ساكسونيا مايكل كريتشمر، فإن المتطرفين استخدموا الجريمة كأداة للتعبئة الجماهيرية. حشد المتطرفون الألمان الآلاف من المؤيدين، وأتوا بالمجندين من جماعاتهم من كل أنحاء البلاد. وبدا أن هذه الأحداث أربكت كريتشمر، مما يعكس تباطؤا أوسع داخل حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي الذي حكم ولاية ساكسونيا قبل أن يتراجع موقفه لصالح حزب البديل اليميني المتشدد. ومن المتوقع أن يحقق حزب البديل أداء جيدا في انتخابات الولاية المقرر إجراؤها العام المقبل، ويعمل البديل على إشعال التوترات في شيمنتيز، ويحرض على ارتكاب العنف. في المقابل، تحدث أحد نواب الحزب عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن الواجب العام لوقف «هجرة السكين»، وكتب آخر عن مواطنين شجعان في شيمنيتز يحتجون ضد المهاجرين المسلمين الذين وصفهم بنعوت قاسية. ويبدو أن حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي يعاني من شلل بسبب صعود حزب البديل الذي حقق نتائج جيدة فى الانتخابات الفيدرالية التي أجريت العام الماضي، حيث أجبر أنجيلا ميركل على الانضمام إلى ائتلاف هش مع الحزب الديموقراطي الاجتماعي، وهو الركن الثاني في المؤسسة الحزبية في ألمانيا. وهذه النتائج تجعل اليمين المتطرف هو المعارضة الرئيسية في البرلمان، مما يعني ازدهارا لأمر خطير ذي جذور عميقة. وقالت صحيفة «الغارديان» في مقالها الافتتاحي: عند تتبع اسباب مشكلات المستشارة انجيلا ميركل نجد أنه من الشائع ذكرها على أنها تحتضن سياسة اللجوء المفتوحة خلال أزمة اللاجئين في عام 2015، وتم الاحتفاء بها كبطل من قبل الليبراليين في الخارج، وقد استجاب العديد من الألمان بكرم جدير بالإعجاب. لكن التعاطف مع المهاجرين بدأ يتراجع، وأثار رهاب الأجانب الشك في أن كرم الأمة يتعرض للإساءة من قبل الإرهابيين وقطاع الطرق. ومن الواضح أن التهديد اليميني المتطرف في ألمانيا يسبق بادرة ميركل الإنسانية، ويبدو أشد في مناطق جمهورية ألمانيا الديموقراطية السابقة، وهي مناطق ما زالت تحمل ندبات الخلل الاقتصادي كمستعرة سوفيتية سابقة، وهذا ما اتضح في تخلفها الصناعي عن المانيا الغربية بعد الوحدة. لقد خلف النظام الشيوعي في ألمانياالشرقية مشاكل اقتصادية لم تحلها إعادة التوحيد، كما أنها تسامحت مع الأفكار الشمولية ولم تشهد تنوعا سياسيا، وبالاضافة لذلك خلف التهميش والاحادية السياسية مناعة أقل تجاه الفاشية. لقد كان الهدف من التكفير عن جرائم القرن العشرين، هو بناء الحصانة ضد الفاشية، لكن هذه الحماية تتضاءل بشكل خطير، بعدما انخفضت الحصانة ضد الفاشية في جميع أنحاء أوربا.