القوة أكثر الحجج إقناعًا، لكنها ليست على كل الأحوال تحمل لك تاج النصر، حاولت أن أفكر في تلك الطرق الملتوية علّني أقتنع بها يومًا ما وأفوز بالمبتغى. لكني سُرعان ما أجدها كالحرباء المتلوّنة التي تتكاثر غالبًا في المجال العملي حتى تفشّت في العلاقات العامة، وهنا إما الاستمرار في الصعود إلى الأعلى بعسر أو الانحدار إلى نقطة الصفر. إن ذلك لا يفسّر «بعدم وجود النزهاء» أنهم موجودون وما زالوا يفشلون بإجادة لبس الأقنعة بشكل محترف حتى يأتي مَن يصعد فوق ظهورهم، ولا يجدون تبريرًا لذلك السوء سوى جملة: «البقاء للأقوى». في نظري تصلح هذه المقولة في عالم الأدغال، وليس في عالم البشر؛ لأن القوة البشرية أحيانًا تتجسّد في قمة ضعفها، وليس افتراسها ولا يمكن حصرها في حالة أو مضمون بعينه؛ لأنها تتشكّل باختلاف المواقف. لكن الشيء المضحك المحزن هو عندما تحاول إبراز قدراتك لتجد مَن سبقك بدفع رباعي وعوامل تعرية أخلاقية، يقف أمامك كسوبر مان بوشاحه الأحمر، ويلقي عليك النصائح في كيفية تخطيط المسار والنضال للوصول إلى القمة.. بصراحة أرحم تلك الفئة؛ لأنهم ارتدوا زيًّا يفوق حجم مقاسهم الحقيقي. بالمناسبة تعايشت معهم وتجرّعت مواقف عدة بذهول تام، كما حصل مع إحدى الزميلات عندما التقيت بها صدفة في أحد المطارات ونحن ننتظر موعد إقلاع رحلتنا، سألتها بعشوائية: كيف تصنعين هذا الكم الهائل من العلاقات الهامة ما شاء الله أجدك ناجحة ومنجزة في عملك، طبعا فِي قرارة نفسي كنتُ على دراية بأنها لم تكمل تعليمها الثانوي، فقالت وهي تمد إصبعيها السبابة والإبهام نحو وجهي تحاول أن ترسم بهما قوس ابتسامة على شفتي، لتشد بعنف أطرافهما للأعلى، ثم قالت: يا صديقتي ابتسمي قدر ما تستطيعين، وهكذا تبنين علاقاتك بالآخرين وتفوزين بأي شيء تريدين، أبعدت إصبعيها بضحكة مصطنعة، لكنها استطردت قائلة: شوفي بعينك وتعلّمي لتسبقني مسرعة أمام الكابتن الذي كان يتقدمنا بخطوات، ثم تبادره بابتسامة بريئة معها، وقالت: مرحبًا، ليرد هو الآخر عليها التحية، بعد ذلك وبغنج كاد يسبب لي استفراغًا بالغًا، قالت: متى ستقلع بِنا إلى باريس يا حضرة الكابتن؟! لأقف مكاني مذهولة وأنا أراها تمضي معه جنبًا الى جنب حتى ابتعدا، وبعد دقائق قليلة عادت وهي تلوّح لي بكرته العملي قائلة، ها تعلمتِ الدرس؟ قلت لها بابتسامه صفراء: كلٌ يعرف أدواته. بصراحة كان لسان حالي يقول حينها: أيُعقل أن يكون الإنسان أعنف الحيوانات لطافة؟! لا أنكر أن طبيعة نفس الإنسان ميّالة لمَن يخاطب عواطفها، لكن ليس بطريقة تشبه قرع الطبول في حفلة شواء إفريقية صاخبة. حتى المنطق يستنكر أن تكون «الهشاشة» هي مَن تنطبق على «الأقوياء الباقين»، وإن كانت غايتهم تبرر الوسيلة. فالحياة إما مطرقة أو سندانًا، ليس من اللائق أن تكون بينهما.