مؤلفات الشيخ علي الطنطاوي «عليه شآبيب الرحمة» تحمل الروعة والجمال في طياتها. وكتاب «ذكريات الطنطاوي» الجزء الثالث، و«من نفحات الحرم» حديث عن أول رحلة للطنطاوي إلى السعودية. هذه الرحلة كان هدفها إعادة فتح درب الحج الشامي بعد أن تم تدمير أجزاء من سكة الحديد إبان الحرب العالمية الأولى، ثم تم استعمار الشام فتوقف الحج عبر البر، وأصبح الشاميون يحجون عن طريق البحر من «العقبة» إلى جدة. بالطبع دول الاستعمار لم تشجع عودة الطريق البري بين الشام والسعودية لكن رجلا شجاعا أراد أن يشق الدرب من جديد بواسطة السيارات سنة 1353ه هذا الرجل هو ياسين الرواف – معتمد الملك عبدالعزيز في دمشق - وكان الشيخ الطنطاوي سريع الاستجابة عندما دعاه «الرواف» وكتب التاريخ لهما هذا الإنجاز، وكان القصد من الرحلة فتح طريق للسيارات يربط الشام بمكة وكان يومئذ حُلما. السلطات الفرنسية في سوريا والانجليزية في الأردن لا ترحب بالفكرة ويقيمون في وجهها العقبات، لهذا تجنبت البعثة الحدود وقررت الذهاب إلى السعودية عبر البر، ولم يماشوا درب سكة الحديد عبر الأردن مما سيكلفهم الكثير من الجهد. *يقول الطنطاوي: إن رحلته من دمشق إلى مكة استغرقت 58 يوما.. وهي مسافة تقطع اليوم بالسيارة في يوم وأقل، وبالطائرة في ساعات.. وكانت رحلة شاقة قاسوا شدتها وذاقوا مراراتها. وصلوا الحدود السعودية فرحين، واستمتعوا بضيافة أهلها.. ووصف الطنطاوي أسلوب الأكل في البادية إذ يقول: يأخذون قبضة الرز واللحم فيديرونها حتى تصير كالكرة، ثم يقذفونها في حلوقهم فتقع في المرمى، وحاول مجاراتهم فلم يفلح، وفي القريات كانت تجربة الطنطاوي الأولى مع الخروف «المفطح»، وقد رواها بأسلوبه الفكاهي. توجهوا إلى المدينةالمنورة التي قال عنها: بدت لنا كصفحة الكف.. ثم وصلوا جدة وركبوا سيارة جديدة موديل 1932م وقال: هل تصدقون أننا قطعنا الطريق بين جدةومكة في 12 ساعة؟ هل تصدقون أنه خرج معنا من جدة أناس يركبون الحمير، فسبقت المركبة الحمار بساعة واحدة فقط !! *من الصور الجميلة التي التقطها الطنطاوي عن مكة: وكان من المشاهد المألوفة في ذلك الزمان أن أصحاب الدكاكين إذا سمعوا الأذان فإنهم يتركون دكاكينهم مفتوحة ويضعون في مدخل الدكان كرسيا أو يجعلون فوق البضاعة عصا أو قماشا، حتى الصرافون وأمامهم أكوام الريالات وأنواع العملات يتركونها أو يغطونها بقماش ويذهبون إلى الحرم فلا يمس أحد ما في تلك الدكاكين من بضائع ونقود.. والتقى الطنطاوي الملك عبدالعزيز فوصفه وأثنى عليه بأجمل الأوصاف. وختم الطنطاوي رحلته بقوله: انتهت رحلة الحجاز وكل شيء في هذه الدنيا إلى انتهاء. عدت إلى بلدي ومهد طفولتي ومرتع شبابي. ولكني أسيت على ما فارقت. بعدت عن مهبط الوحي ومنزل النبوة، وعلى اني تركت البلد الحر الذي لا يحكمه أجنبي ولا تلوح فوقه راية غريب كافر، أسيت على ترك بلد الإيمان الذي لا يعلن فيه منكر ولا يجهر فيه بفاحشة ولا يتخلف فيه احد عن الصلاة إذا نادى المؤذن: حي على الصلاة. ولكم تحياتي