المجتمعات الإنسانية مذ عرفت التأريخ أن تسيد نُخبا من نسائها وفقا لاعتبارات ترجع إلى تميز تلك النخب النسوية-إن جاز التعبير- بمقومات اجتماعية أو دينية أو أخلاقية أو سلوكية رفيعة المستوى.. و(تسيد المرأة) -بعيدا عن التحفظ على هذا المفهوم من ناحية شرعية أو اصطلاحية- قد صرحت به بعض النصوص النبوية الشريفة {سيداتُ نساءِ أهلِ الجنةِ بعد مريم بنت عمران: فاطمةُ، وخديجةُ، وآسيةُ امرأة فرعون}.الألباني -السلسلة الصحيحة برقم: 1424، وهذا الشرف العظيم قد حظين به في الآخرة. ولكن الناظر إلى مجتمعاتنا العربية اليوم يدهشه أنها قد اتخذت نماذج لا ترقى لمفهوم (السيادة النسوية) بحال من جملة مشاهير قنوات التواصل الاجتماعي -من فئة الإناث- ومن يسمين بال (يوتيوبرز)وال(فاشنستا)على حد تعبيرهم -قد اتخذتهن سيداتٍ ذوات نفوذ اجتماعي كبير وحراك جماهيري منقطع النظير.. ولئن سألتهن أي معايير اعتُبرت في هذا التقييم الهش؟! لقلن: تلك امرأة تسعدنا بحكاياتها وتمتعنا بضحكاتها وهي حقيقة ما هي إلا قصاصة لا هم لها سوى سرد السقيم من الحكايات والفج من الروايات واستعراض فصول حياتها مصحوبة بقهقهات جريئة وتعليقات سامجة، وأخرى قد أبدعت في استعراض يومياتها التي لا تسمن من هزال ولا تغني من جوع، وثالثة تجوب الأرض ب(سناباتها) متباهية بالأسفار والرحلات متكاثرة بالهدايا والهبات، ورابعة تعرض أزياء فاحشة ولها جمهور يتألف من أرقام فلكية، وخامسة تعلم الفتيات التجمل الباذخ وتروضهن على الإسفاف في التزين بلا مراعاة لحل ولا حرمة، وإن زعمت أنك ستحصي أتباع ومتابعي تلك النماذج من الذكور والإناث لوجدت عجبا، وإن رمت أن تتبع الأثر الذي يتركه هؤلاء النسوة في المجتمع والامتيازات التي حققنها والمشاريع التنموية التي قدمنها لخدمة مجتمعاتهن ولرد المعروف لأولئك (الأتباع) الذين بكثرة سوادهم اشتهرن ولمعت نجومهن لارتد إليك البصر خاسئا والكف حائرا. فعلام إذن تسيدت هؤلاء؟ ومن أين لهن العصى السحرية التي يقدن بها الجماهير المشدوهة نحوهن فيعبثن باهتمامات الفتيات ويلبسن عليهن مبادئهن.. ومنذ متى صرن أهلا للاقتداء بهن؟! فهل هناك فاشنستا داعية لم نعرفها؟! وهل هناك من غابت عنا من اليوتيوبر الصالحة المصلحة؟! بل دلونا على (سنابية) مباركة قادت تلك الإصلاحات النهضوية التعليمية أو التربوية في مجتمعها مع جماهيرها الغفيرة؟! ألم يقل الله تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)الأنعام -90-.. إن إعادة النظر في انتخاب من يمثلن قيادات المجتمع وسيادته وواجهته الحضارية من النساء ومن يحملن همومه ويتطلعن للارتقاء به متجردات من حظوظهن الشخصية وأهوائهن ورغباتهن الطامحة للشهرة وحدها، وكذا تضافر الجهود للحد من تلك التبعية العمياء لأمر لا يقل أهمية عن الانتخابات البلدية التي تجريها المحافظات والأقاليم المحلية لترشيح من يصدق فيه وصف (إن خير من استأجرت القوي الأمين)..