المتتبع لمبادرات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ابتداء من إطلاق رؤية المملكة 2030 مرورا بكافة المشاريع التي أطلقها والتي كان أهمها المشروع السياحي العلمي الضخم «نيوم»؛ يرى أنها مشوار طويل وسنوات ضوئية تختصرها الإرادة والاصرار والعزيمة وقدرة قوية على اختصار الزمن وتحويلها إلى واقع حقيقي ملموس. مشروع «نيوم» هذا المشروع الضخم الذي بلغت قيمته 500 مليار دولار، تطمح القيادة من خلاله إلى تطوير المملكة في مجالات عدة، على رأسها السياحة، وقد أعلن عنه في أكتوبر عام 2017 وقد كتبت عن هذا المشروع الضخم وعن أهميته. إلا أنه بعد أقل من 10 أشهر من إعلانه يأتي هذا الحدث التاريخي المتمثل في زيارة الملك سلمان «وهو أعلى سلطة في السعودية» هذه الأيام إلى مدينة نيوم للمرة الأولى لقضاء عطلته الصيفية للراحة والاستجمام بمنزله هناك بدلا من السفر إلى الخارج، ثم ترؤسه - حفظه الله - للجلسة التي عقدها مجلس الوزراء هناك في «نيوم»، ليصبح أول اجتماع من نوعه يعقد خارج الأماكن المعتادة التي تشهد عادة اجتماعات الحكومة الدورية كروضة خريم وقصور «اليمامة» و«الصفا» و«السلام» و«العزيزية» وغيرها من المواقع التي عقدت فيها جلسات مجلس الوزراء سابقا، ليعطي هذا المشروع زخما ودعما وتشجيعا ويعزز من مكانته ويعلي من قيمته. هذا المشروع الذي أصبحت تراهن عليه القيادة كغيره من المشاريع الضخمة، بأن يكون واحدا من أكبر المشروعات السياحية في منطقة الشرق الأوسط والعالم كله. وبالتالي فالزيارة تحمل رسائل ذات دلالات عميقة وجوهرية تستهدف «الداخل» السعودي و«الخارج» معا. فالرسالة الأولى: إلى العالم الخارجي، فهي تعطي موثوقية كبرى بأن المشروع الأضخم في العالم يسير كما خطط له وأعلن عنه، وأن هذه المدينة «نيوم» واقع حقيقي، وفرصة استثمارية كبيرة، تتمتع بموقع إستراتيجي مهم، وتمتلك كل المقومات السياحية والدعم السياسي من أعلى الهرم السياسي، وهي قبل كل هذا مدينة ما زالت بكرا مما يميزها عن باقي المشاريع والمدن العالمية الأخرى وذلك من خلال استهداف تقنيات الجيل القادم كركيزة أساسية للبنية التحتية للمشروع، وهذا يمنحها فرصة استثنائية تنتظر ضخ استثمارات ضخمة فيها، حتى تنافس أفضل المدن السياحية في العالم. وبالتالي تستحق أن تكون وجهة ترفيه عالمية. الرسالة الثانية: إلى المواطن السعودي ان هذه المدينة ومشروع البحر الأحمر ومشروع القدية وغيرها من المشاريع هي بداية عهد جديد مع تنمية السياحة الداخلية بأعلى المعايير والجودة، وان مستقبل السعودية الترفيهي أصبح من الأولويات لدى القيادة وسوف يكون قطاع السياحة والترفيه بأهمية باقي القطاعات الأخرى. وان هذه المشاريع سوف تحد من رحلات السياحة الخارجية وتوقف استنزاف المليارات. فهناك 8 ملايين سائح سعودي ينفقون سنويا ما يقارب 60 مليار ريال على السياحة الخارجية. وبحسب مؤسسة النقد العربي السعودي فقد أنفق السعوديون نحو 580.7 مليار ريال خلال ال 10 سنوات الماضية. وبالتالي لن يقنع السائح السعودي إلا بمشاريع وخدمات وفق أعلى المعايير العالمية. وأخيرا.. مشروع «نيوم» لن يكون فقط مشروعا ترفيهيا أو سياحيا بل سوف يكون نموذجا لتحقيق رؤية 2030 عبر محاورها الثلاثة: مجتمع حيوي من خلال التصدر لمؤشر أفضل مدن العالم ملاءمة للعيش والوجهة الأكثر استقطابا للمواهب السعودية والدولية. المحور الثاني: اقتصاد مزدهر من خلال بيئة وأنظمة صديقة للأعمال وحوافز كبيرة لاستقطاب الشركات والاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى تسعة قطاعات تهدف إلى تنويع الاقتصاد من أجل تعزيز القدرة على الاستغناء عن النفط ومساهمة قوية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وإعادة توجيه بعض التسربات المالية الخارجية إلى داخل المملكة. والمحور الأخير: وطن طموح من خلال استخدام أحدث التقنيات بشكل كامل لزيادة كفاءة الحكومة ومراعاة الاستدامة والمفاهيم الإنشائية المبتكرة.