تلعب الفنون بمختلف أشكالها دورا مهما في رقي المجتمع والتعبير عن تقدمه وتطوره، وفي كثير من الأحيان يقاس تقدم الأمم والمجتمعات بقدر ما تختزنه من فنون ومن أعمال تعبر عن حضارتها وثقافتها وعادات أهلها. ولهذا نرى أن الفنون - بأشكالها المختلفة - تزدهر وتنمو في المجتمعات المتطورة، وتنعدم وتنحسر في المجتمعات المتخلفة تحت مبررات مختلفة. نلحظ في هذه المرحلة اهتماما أكبر من قبل الدولة وفئات اجتماعية كثيرة بتنمية الفنون، ففي كل منطقة نرى مبادرات فنية متنوعة يقودها فنانون وفنانات من أبناء المجتمع تهدف إلى تكثيف الحضور الفني بمختلف أشكاله. فالجماعات المهتمة بالفن التشكيلي عديدون في مختلف الأماكن، ومثلهم من يهتم بالتصوير الضوئي والنحت والخط العربي، إضافة إلى العمل المسرحي والإنتاج الفني والسينمائي والأفلام القصيرة وغيرها من الفنون. هذه التوجهات والاهتمامات لدى الشباب بحاجة إلى رعاية واحتضان وتوجيه، كي لا تتبعثر هذه الجهود، وحتى تشكل إضافة نوعية للتجارب الفنية التي سبقتها، وتحدث تطورا حقيقيا في مستوى الانتاج الفني الذي يعبر عن هوية المجتمع ويوثق تاريخه وتجاربه فنيا. الكثير من الفنانين الموجودين لدينا هواة يقضون وقت فراغهم في ممارسة هذه الهوايات، وليسوا متفرغين ومتخصصين. ولعل أحد الأسباب في ذلك هو عدم تقدير الأعمال الفنية التي ينتجها هؤلاء الفنانون مما يعني أن جهدهم الفني لا يعطى حقه المناسب. وأن القليل من الناس من يتأمل ويحاول أن يدرس التجارب الفنية بتمعن وعلم وثقافة واعية. نفتقد أيضا إلى وجود مؤسسات وأكاديميات فنية متخصصة ترعى وتطور وتحتضن المواهب الفنية وتنميها كي تكون منافسة مع الفنانين العالميين، مع أن هناك مبادرات جيدة لجمعيات الثقافة والفنون إلا أنها تأتي في غمرة أنشطة ثقافية متعددة لا ينال الفن فيها إلا اهتماما يسيرا. حتى المعارض الفنية العديدة التي تقام باستمرار لا تنظم بصورة علمية بحيث يشارك فيها رسامون مبتدئون ومرموقون حتى تتلاقح التجربة الفنية، ولا يوجد فيها أيضا نقد علمي للأعمال المعروضة. من الوسائل أيضا الاستعانة بالمنجزين والمبدعين والفنانين المعروفين عالميا لتنظيم وإقامة ورش عمل تدريبية للمهتمين، ونقل التجارب والخبرات الفنية، وكذلك تنظيم الأنشطة الفنية المشتركة بحيث تشكل مساحة وفضاء للعمل الفني ونقله لمستويات عالمية. كما أعتقد أنه من المهم إيجاد جمعيات أهلية تهتم بالتشبيك بين الفنانين في مختلف المجالات وإيجاد صلة بينهم لتبادل المعارف وتنسيق الجهود، ومعالجة العوائق التي تعترضهم ودعم جهودهم التسويقية لأعمالهم. الفنون التي نعنيها أيضا لا تقتصر على التشكيلية منها وإنما على مجمل أنواع الفنون: كالموسيقى والتمثيل والمسرح والإنتاج الفني والنحت والخطوط والفن المعماري وغيرها، ففي كل هذه المجالات هناك متخصصون من المؤكد لو أتيح لهم المجال المناسب؛ لانطلقوا وأبدعوا وحققوا أعمالا فنية رائدة. من المهم ألا ننتظر طويلا للبدء في مشروع وطني شامل للنهوض بالفنون وتنميتها في المجتمع؛ كي نكسب من وراء ذلك حفظا لموروثنا الشعبي، وتنمية للذائقة الجمالية، وتطويرا جذريا للثقافة العامة في المجتمع.