إن أي شعب إذا ما تحلى بالإرادة المطلوبة وإذا ما أراد أن يكون له شأن بين الشعوب الأخرى وإذا ما تسنت له قيادة قوية وصادقة رسمت لنفسها ولشعبها أهدافا نبيلة وطموحة وانسجمت معه وإذا كان لديه مخزون من التراث الديني والأخلاقي يستند إليه في مسار حياته سيكون لهذا الشعب لا محالة بعد فترة من الزمن طال أم قصر شأن يشار له بالبنان بين الشعوب والأمم الأخرى، وهذا ما حصل للشعب الياباني فبعد الدمار والخراب الهائل الذي حصل لمعظم المدن اليابانية من قبل الحلفاء، وبعد القنابل الذرية لمدينتي ناجازاكي وهيروشيما والتي قتلت مئات الآلاف بالإضافة إلى تدمير هاتين المدينتين شبه الكامل والتي بعدها أعلنت الحكومة اليابانية استسلامها للحلفاء وفق الشروط التي أملتها عليها تلك الدول وذلك في أغسطس 1945م، اتخذت اليابان قرار بناء كيانها من جديد وطريق ترميم وإصلاح ما دمرته الحرب بكل الوسائل والسبل المتاحة ورسمت لنفسها أهدافا سارت عليها، وهو ما دعت له الحكومات اليابانية المتعاقبة ودعا له الإعلام والصحافة حيث صرحت إحدى أهم الصحف اليابانية وهي اليوميروي - هوتشي وبعد عشرة أيام من الاستسلام «يجب أن يكون هناك إيمان قاطع بأن الهزيمة العسكرية ليس لها علاقة بقيم المجتمع، ان الهزيمة العسكرية يجب ان تكون نقطة انطلاق، ذلك أنه ربما ليس هناك أقل من الهزيمة لكي ترتقي بأفكار اليابانيين إلى العالم، ولكي يروا الأشياء بالموضوعية التي هي عليها، من أجل ذلك يجب إزالة كل الأفكار غير المنطقية التي غلّفت الفكر الياباني بالاستفادة من التحليل الموضوعي، إن التحلي بالشجاعة هو السبيل الوحيد لمواجهة الهزيمة والاعتراف بها بوصفها حقيقة، ولكن يجب أن نضع ثقتنا باليابان الجديد». ويؤكد غانم علوان جواد الجميلي في كتابه (جذور نهضة اليابان) ان التراث الديني والأخلاقي التقليدي الياباني الموروث من الشنتوية والبوذية والكونفوشية والداوية كان له دور بارز في قيام الشعب الياباني من كبوته وان ما قام به هو انعكاس لبعض ما هو موجود في هذا التراث واحترامه لهذا الموروث والذي قام بتعميمه في المدارس والمؤسسات التعليمية مثل الدقة والاتقان والاحترام في العمل، العمل على محاربة الشر والحث على الخير، احترام أوامر كبار السن، احترام البيئة والنظافة فلا يمكن ان تشاهد يابانيا يرمى النفايات في الطريق، العمل على الانسجام بين الأشياء مثل التنسيق بين الزهور والتنسيق بين ألوان الطعام، احترام النظام العائلي وهو وحدة بناء المجتمع ولا يجوز للفرد الخروج عليه، الاعتراف بالطبقات والفروق الطبيعية بين الأشخاص واحترامها مع جواز أن ينتقل الشخص من طبقة إلى أخرى، وغيرها من الخصال النبيلة والتي تميز بها الشعب الياباني مثل حب القراءة. لقد جمع الشعب الياباني بين التراث والحداثة في مسيرة نهضته بحيث بات اليوم ثالث أقوى اقتصاد في العالم، وذلك من خلال الصناعات التي يقوم بتصديرها رغم عدم وفرة المعادن في أرضه.