تتميز المنظمات غير الربحية بملامسة احتياجات المجتمع، إذ إنها الجهة الفاعلة على الأرض التي تسعي جاهدة لتلمس أوجه النقص من خلال برامج ومبادرات اجتماعية وشراكات فاعلة أثبتت وجودها خلال ستة عقود من العمل الاجتماعي المنظم للجان والجمعيات والمؤسسات الأهلية تحت إشراف حكومي من خلال استقطاب الداعمين مادياً ومعنوياً وتقديم مشاريع وبرامج تنموية هادفة استطاعت أن تنتقل بهذه الجهات في السنوات الأخيرة من الرعوية إلى التنموية، آخذة بمبدأ التمكين والتأهيل للفئات والجهات المحتاجة.. ومع صدور لائحة الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وانبثاق رؤية 2030 الطموح للمملكة، أصبح لزاماً تحفيز هذا القطاع وتنميته وتعظيم إسهاماته في تحقيق تلك الرؤية، ذلك لأن المنظمات غير الربحية هي الجهات التي يعبر فيها أفراد المجتمع عن تحقيق الذات، والمساهمة في التنمية والتطوير، وقبل ذلك الحصول على الأجر والثواب، والإحساس بالرضا الشخصي، والتقدير الاجتماعي الذي يزيد من تشجيع طاقات المجتمع ويزيدها إبداعاً وتألقاً. كشفت دراسة قامت بها مؤسسة الملك خالد الخيرية التي تعنى بتأهيل وتطوير قدرات المنظمات غير الربحية عن القطاع في عام 2018 عن تشعب مجالات هذه المنظمات في المملكة، واختلاف ارتباطها التنظيمي بين أكثر من 13 جهة حكومية، بالإضافة إلى أن حصر منظمات القطاع في الجمعيات والمؤسسات الخيرية لا يعكس حجم القطاع الحقيقي في المملكة، إذ يصل إجمالي عدد الجمعيات والمؤسسات الخيرية المسجلة لدى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إلى 1,125 منظمة، وبعد رصد مؤسسة الملك خالد لهذا القطاع واحتساب جميع الجهات والمؤسسات الأهلية والجامعات والمستشفيات غير الربحية والجمعيات العلمية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم والمكاتب التعاونية للدعوة للإرشاد ولجان الغرف التجارية والهيئات المهنية وغيرها وصل هنا الرقم إلى 2598 منظمة أي أكثر من الضعف.. كما لاحظت الدراسة ذاتها تقاطعاً في أنشطة هذه المنظمات فيما بينها، وتنوعاً في المجالات كالإسكان الخيري، والخدمات الصحية، والخدمات التعليمية والبحثية، والثقافة والتراث فضلاً عن الخدمات الاجتماعية ورعاية المسنين والهيئات والجمعيات العلمية والمهنية.. وترصد الدراسة، أنه بعد إصدار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، نمت طلبات التأسيس لجمعيات ومنظمات جديدة حتى وصلت بنهاية عام 2016 إلى 9015 طلبا.. مما يشكل أربعة أضعاف الرقم الحالي للمنظمات مما يعطي دلالة دامغة لا تقبل الشك عن النمو المطرد الذي ينتظره هذا القطاع المهم، والذي يشهد أيضاً نموا مطرداً في توليد الوظائف بتوسع القطاع والذي يشمل حالياً 47,000 موظف بحسب الدراسة وفي تكافؤ متقارب بين الجنسين، بالإضافة إلى أن معدل النمو السنوي لمساهمة القطاع في الناتج المحلي بلغ 10.4% وهو ما يتفق مع معدلات نمو القطاع في الدول الأخرى حسب الدراسة ويتوقع له زيادة واعدة في رؤية 2030.. كل هذا، يثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن هذا القطاع، وهو الذي ينبض بالحيوية والعطاء، وينطلق العمل فيه من بواعث دينية واجتماعية، ومن مجتمع حيوي مبادر، ومتكامل مع عمل أجهزة الدولة والقطاع الخاص، في حاجة لتأسيس هيئة وطنية لتنظيمه وتنميته وتوحيد ارتباطه التنظيمي، ووضع الأطر التنظيمية والتشريعية له، وتسجيل وإصدار التراخيص الجديدة في ظل نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية، وسن التشريعات واللوائح المنظمة للتعاملات المالية، وتمكين منظماته وأفراده من العمل بمهنية واحترافية، تحت سقف إداري واحد بدلاً من تشتت الارتباط بالعديد من الجهات الحكومية؛ لكي تتضافر الجهود وتتكامل في تحقيق رؤية المملكة الطموح 2030 وبين كافة القطاعات.