فعل الخير أمر لا يختلف اثنان في استحسانه، وهو سمة لكثير من المجتمعات، وفي الغالب يكون دافع الفرد او الجماعة لفعل الخير هو فعل الخير لذاته فقط، بمعنى الفعل بدون اي إلزام من أي نوع وبدون انتظار المقابل من أي نوع، ومظاهر فعل الخير كثيرة ومتنوعة، وفي الغالب تكون النوايا الحسنة هي ما تدفع الى فعل الخير على ما اظن. عندما تقرض شخصا مبلغا من المال هو في امس الحاجة اليه فأنت بكل تأكيد تقوم بفعل خير، لكن لو طلبت فائدة بسيطة جدا إزاء الخدمة الجليلة التي قمت بها فربما تحول فعل الخير الى استغلال لحاجة هذا الشخص حتى لو سميت هذه الفائدة البسيطة باسم آخر (كرسوم ادارية مثلا)، هذا المثال من أوضح الامثلة على ما اقول، ولكن هناك مجموعة من ممارسات فعل الخير التي ربما تحمل في طياتها القليل من الاستغلال لحاجة الناس وسأبدأ بالطريف منها. كنت في أحد المجالس وكان الحديث يدور حول أزمة اللاجئين التي كانت تجتاح العالم في تلك الفترة، وكيف أن مخيمات اللاجئين في احدى الدول مليئة بالاسر المحتاجة، وإذا بأحدهم يقترح اقتراحا في ظاهره طريف وبريء ولكنه ينطوي على كمٍ من المعاني التي لا يمكن لإنسان سوي ان يستسيغها، كان هذا الشخص قد اقترح على الحضور انها فرصة جيدة لمن يرغب في التعدد، فلا بد من وجود الكثير من النساء اللائي يرغبن في الزواج والكثير من ارباب الاسر الذين يرغبون في (الستر) على بناتهم، وبذلك يكون قد فعل خيرا في أن اخرج هؤلاء النساء من جحيم العيش في مخيم اللاجئين وستر عليهن. كنت أستمع للحديث بعين جاحظة وأنا انظر الى المتكلم ومن كان يوافقه الرأي من الحضور، وجميعهم ممن لا يمكن أن يستسيغ أكله السبع، في رأيهم أن توفير العيش الكريم والستر والحماية هو فعل خير يقدمونه لهؤلاء النساء المنكوبات، وفي المقابل فقد اصبح هؤلاء النساء زوجات لهؤلاء الأخيار من الرجال والباقي اتركه لمخيلتك، والسؤال الذي يطرح هو: ألم يكن ممكنا مساعدة اخواننا واخواتنا المنكوبين بدون موضوع الزواج وبدون مقابل؟ في الشهر الفضيل المنصرم كانت تمتد الموائد بأصناف الطعام الذي في الكثير من الأحيان يزيد على الحاجة ويتبقى الكثير الذي لم تلمسه يد، في هذه الحالة اعتاد بعض الواعين تغليف هذا الطعام بشكل لائق وراق ومن بعدها اعطاؤه لبعض الأشخاص الذين يظهر عليهم الحاجة لمثل هذه الوجبة، مثل هذا التصرف الراقي لا استطيع ان اعلق عليه كثيرا، لكن ما يمكننا أن نعلق عليه هو تصرف بعض الأخيار الذين يتبقى لديهم بعض الطعام الذي عاثت فيه الايادي ويقومون بعدها بجمعه بطريقة ما -حسب ما هو متاح- ومن شدة حرصهم على الحفاظ على النعمة يجمعون حتى العظام، ويقومون بالبحث عن عامل النظافة المسكين -في رأيهم- ويمدون له ما تبقى من طعامهم بكل عطف وحنان وهم يظنون انهم يحسنون صنعا، لأنهم عمال نظافة شغلهم الشاغل جمع قاذوراتنا، فلا بد أنهم قادرون على تقبل ما هو (نصف نظيف) وبما انهم في حاجة فهي فرصة لنا أن نفعل الخير وخاصة في الشهر الفضيل، ببساطة يستغلون حاجة الناس لفعل الخير. لكن، كيف يمكن لاحد ان يفعل الخير من دون أن يكون للناس حاجة؟ هذا السؤال أجبت عنه في بداية المقال حين قلت ان فعل الخير له اشكال عديدة ومتنوعة، لكن ما يجب عمله هو فعل الخير ونحن نأخذ في الاعتبار ان من يتلقون الافعال الخيرة بشر، لهم احاسيس وكرامة، لم تنسهم حاجتهم اياها، حاول ايها الخيّر ان تتذكر ذلك كلما جمعت بقايا طعامك مع العظام.