قال د. يسري أبو شادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس قسم الضمانات السابق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية: إن إيران استطاعت تكوين «مافيا» دولية للتجارة النووية، بزعامة العالم الباكستاني، عبدالقدير خان، وتتكون من عناصر أغلبهم خبراء أوروبيون. مؤكدًا في حواره مع «اليوم» أن الوكالة رصدت تحركات إيران لتطوير برنامجها النووي سرًا، فضلًا عن مخططاتها لتصنيع قنبلة نووية خصوصًا بعد أن رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20%، كما أنها طلبت إنتاج غواصات بالطاقة الذرية، لافتًا إلى أن ترامب انسحب من اتفاق لوزان النووي 2015 بعد تأكده من عدم التزام طهران ببنوده وخطورة تطوير برنامجها. أبوشادي يجيب عن أسئلة المحرر (اليوم) اليوم: في ظل تمسك الاتحاد الأوروبي بالاتفاق النووي، في اعتقادك ما هو مصيره؟ - يسري أبو شادي: العالم وقتها ظن أن الاتفاق يحمل فوائد لمنطقة الشرق الأوسط ودول الخليج من جهة، وللشعب الإيراني من جهة أخرى، وجاءت فكرته بعد بدء طهران في تطوير برنامجها النووي، وقطعت في ذلك خطوات واسعة وبسرعة فائقة فأصبحت تشكل خطرًا داهمًا على العالم؛ ما استدعى الولاياتالمتحدة وعددًا من الدول الأوروبية للتدخل من أجل السيطرة على هذا الجموح الإيراني؛ إذ لو قدّر لنظامها الاستمرار على هذا النهج في تطوير قدراتها النووية ستمثل تهديدًا للعالم، وللأسف رغم توقيع إيران على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية إلا أن مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت لديهم دائمًا تساؤلات كثيرة حول الأنشطة الإيرانية النووية غير المعلنة بعد فشلهم في العثور على مخالفة صريحة ضد إيران التي كانت تجيد المراوغة والعمل سرًا؛ لذا كان لابد من تعطيل الخطر النووي الإيراني لمدة تترواح بين 10 و15 سنة. - كيف ترى التحول في الموقف الأمريكي من الاتفاقية؟ - الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان متحمسًا جدًا للاتفاق النووي وبذل جهدًا واسعًا لإقناع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب بوجهة نظره بضرورة توقيع بلاده عليه، لكن الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس دونالد ترامب رأت ضرورة الانسحاب من الاتفاق، وعلى الرغم من الانتقادات التي تعرض لها إلا أن ما قد يكون دفع ترامب لقراره هو رؤيته أن إيران لم تلتزم بوعودها، فالوقائع الحالية والمواقف السابقة تؤكد ذلك، ورغم ادعاء مرشد إيران علي خامنئي في فتوى بتحرم استخدام النووي في 2003 بوصفه سلاح دمار شامل، إلا أنه كانت تحدث أمور كثيرة غير معلنة من وراء الستار، وبعد اكتشاف بدء إيران في تطوير برنامجها النووي السري اضطرت الدولة الفارسية إلى إخطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا البرنامج وقبلت الخضوع للتفتيش من خبراء الوكالة وحاولت إظهار تجاوزاتها بالمحدودة لتفادي العقوبات. - هل توصلت الوكالة الذرية لدلائل وقرائن تدين إيران؟ - إيران بدأت في هذه الفترة تكوين ما يمكن أن يُطلق عليه عصابة أو «مافيا» دولية للتجارة النووية بزعامة عبدالقدير خان، وكان أغلب تشكيلها من خبراء أوروبيين، ومَن لا يعرف عبدالقدير خان فهو عالم باكستاني في المجال النووي واتهم بأنه زوّد إيران بدوائر الطرد المركزية لتخصيب اليورانيوم، واعترف بذلك، عندما قال: إنه ساعد إيران على تطوير برنامجها النووي السري، وأكد أنه إذا نجحت طهران في الحصول على التقنية النووية فإنها ستشكّل قوى جديدة في المنطقة لمواجهة الضغوط الدولية، وتؤكد سرية التحركات الإيرانية اهتمامها منقطع النظير بالمجال النووي وتطويره بصورة واسعة، ورغم أننا في وكالة الطاقة الذرية لم نتمكن من التوصل إلى مخالفات تدين طهران في حينها، لكن كانت هناك تساؤلات وقلق حول عدد من المشروعات الإيرانية في المجال النووي، وفي 2008 تحققنا من أن الجانب الإيراني كانت لديه نية التخطيط لإنتاج قنبلة نووية مثل كوريا الشمالية، خصوصًا أن إيران رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم من 3 و4% في فبراير 2009 إلى 20% ثم فوجئنا بطلب النظام الإيراني عن رغبته في إنتاج غواصات بالطاقة الذرية، وتزامن ذلك مع اكتشاف منشأة «فوردو» النووية التي بدأ فيها نشاط نووي جديد، وهي تقع بجوار محطة «قم» لتخصيب اليورانيوم. - هل كانت هناك مؤشرات عن تصنيع طهران للقنبلة الذرية؟ - إيران كانت تملك قبل الاتفاقية النووية 20 ألف وحدة تخصيب يورانيوم من نوع «آي آر-1»، وسُرقت تركيبته عن طريق «المافيا» التي تديرها إيران من علماء أوروبيين، وبالفعل بدأت في إنتاجه، لذا كان برأيي أن السبب الرئيس لتوقيع الدول الست (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) في أبريل 2015 على اتفاق لوزان بسويسرا هو التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني؛ لأن طهران كانت قد بدأت في تطوير وحدة التخصيب بأنواع أخرى مثل «آي آر-2» وأنتجت منها ألف وحدة، ولكن الأخطر بدون شك هو نوع «آي آر-8»، ولو حوّلت إيران ال20 ألف وحدة تخصيب من نوع «آي آر-1» إلى «آي آر-8» لتمكنت من تصنيع مادة لقنبلة ذرية كل أسبوع، وعلى الرغم من أهمية الاتفاق إلا أن به بعض العيوب التي ركّز عليها ترامب في انسحابه منها، فمن ضمن بنوده عدم التطرق لالتزام طهران بتخصيب اليورانيوم بعد 10 أعوام، بينما كانت وجهة نظر أوباما ومؤيديه في هذا التوقيت أن توقيع إيران على الاتفاق يمنح مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حرية التفتيش في المواقع الإيرانية؛ ما يضمن ألا تلجأ طهران إلى أية تجاوزات ويكون برنامجها النووي تحت سيطرة الوكالة. - ما أبرز الصعوبات التي واجهت خبراء الوكالة بشأن الملف الإيراني النووي؟ -عدم وجود ثقة في المسؤولين الإيرانيين، حيث كانت مواقفهم دائمًا غريبة وغامضة، وقد زرت طهران ولمست ذلك عندما كنت مسؤولًا عن متابعة نتائج التفتيش، وفي الفترة ما بين (2004 -2006) وقعت إيران اتفاقا مؤقتا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ملفها النووي ينص على التزامها بمنع تطوير الصواريخ لحمل سلاح نووي، وبررت أن التوقيع الرسمي يحتاج إلى وقت طويل للحصول على موافقة البرلمان، لكن الولاياتالمتحدة تدخّلت وألغت هذا الاتفاق ووقعت عقوبات على إيران، وكانت الوكالة أجرت تحقيقات موسّعة في تطوير إيران «شهاب 3»، وهو صاروخ باليستي متوسط المدى وقادر على حمل قنابل انشطارية ووزنه ألف كيلو جرام، وأعلنت طهران في 1998 تصنيعه لأول مرة ثم طورته في 2003 ليصل إلى مدى أبعد. - هل من مصلحة أوروبا الإبقاء على الاتفاق النووي؟ - بدون شك بدليل تقدم كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا بطلب إلى واشنطن باستثناء شركاتهم في إيران من العقوبات التي ستفرضها واشنطن على طهران، كما توجد لإيران أرصدة ضخمة في البنوك الغربية تصل إلى 150 مليار دولار، لكن يبدو أن الأزمة تتعقد وتتزايد الضغوط على الشركات الكبرى؛ إذ أعلنت «توتال» الفرنسية التي تُعد رابع أكبر شركة في العالم في مجال تجارة وتوزيع وإنتاج البترول والغاز أنها سوف تجمّد أعمالها في طهران في ظل ارتفاع أسعار البترول وهبوط قيمة اليورو. وفي الوقت نفسه ستقاتل إيران من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي الذي يحقق لها فوائد عديدة، وستلجأ إلى الحصول على تأييد دول كبرى تمثل توازنًا دوليًا مع الولاياتالمتحدة مثل الصينوروسيا اللتين تشكلان جبهة دائمة ضد السياسة الأمريكية. - كيف ترى تأثير هذه الأزمة على المنطقة العربية؟ - الخطورة في دخول إسرائيل على خط الأزمة وإطلاق تهديدات عن طريق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بتوجيه ضربة لمنشآت إيران النووية، وعلى الرغم من أنه مجرد تهديد مستبعد لن يدخل حيز التنفيذ، لكن في حال أصبح حقيقة فإن المنطقة ستكون على شفا بركان وبوادر حرب نووية، إذ إن إيران ستجد في الهجوم الإسرائيلي فرصة للانسحاب من اتفاق لوزان ومن اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية؛ ما يعني تكرار السيناريو الكوري الشمالي بحذافيره عن طريق طهران وأتوقع خلال عامين امتلاك الأخيرة سلاحًا نوويًا. - متى بدأ البرنامج النووي الإيراني؟ - بدأ البرنامج النووي الإيراني منذ حكم الشاه محمد رضا بهلوي، أي قبل ما يزيد على نصف قرن، وكان الشاه أكثر رغبة من علي خامنئي في امتلاك السلاح النووي؛ لذا سعى إلى تفعيل اتفاقيات المفاعلات النووية، وشيّد مفاعل طهران البحثي، كما استطاعت إيران استغلال ثغرة في بنود اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية التي تعطي الحق للدول الموقعة على الاتفاق بإنشاء برنامج نووي سلمي قوي بالتعاون مع دول عدة، لكن للأسف البعض يستغله في تطوير الأسلحة للغرض العسكري، وللعلم فإن العراق كان البلد العربي الوحيد المؤهل لصناعة سلاح نووي قبل أن يتورط في حرب الكويت.