أننا قادرون على العودة إلى منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات... تخيل انك تفتح التلفاز فتشاهد (بابا فرحان) يستقبلنا بحفاوة تُشعرنا بالاندهاش حتى اننا نحزن بمجرد أن تقارب الحلقة على الانتهاء، ثم بعدها تغير القناة لتجد (فوازير شريهان) بطبيعتها غير المتكلفة في انتظارنا تتراقص بالطربوش الأحمر فوق رأسها بسرعة توازي سرعة الضوء وتجعلنا نفكر في كل حرف وكأننا في قاعات الامتحان حتى نحل تلك (الفزورة) وما ان تأتي الساعة العاشرة حتى يذاع المسلسل الاجتماعي الجميل الذي مازالت عيناي تدمعان حينما اسمع تتر مقدمته (أبي وأمي مع التحية)، من يتذكر هذا العمل الفريد يجد له حسا تربويا أصبحنا نفتقده في الإعلام الحالي حيث تتمحور جميع حلقاته حول معاني التربية الصحيحة للابناء وكيفية حل مشكلاتهم بالتنشئة الاجتماعية القويمة والتفهم، تجدنا نتفاعل مع حياتهم الاسرية وطريقة نمط الحوار الراقي والأسري، قد نال نصيبه مِن النجاح والصدى الطيب، حتى انني بدأت اتفكر ماذا لو طبق هذا العمل في المدارس كنموذج تربوي توعوي اجتماعي هادف. على العكس لما نراه الآن من المسلسلات الدرامية الحديثة لم أجد فيها خطا تربويا يحاكي الشباب والمراهقين ولا حتى الأطفال ولربما العصر التكنولوجي كان له الأثر في هذا التخبط المخيف والاجهزة الذكية ك (الآيفون والآيباد) ولا ندري ماذا يطلعون فيه..! كذلك التأثير الغربي الذي لا يمثل مجتمعنا الشرقي فتجد الفتاة تخوض علاقة حب علنية أمام والديها وتهددهم بالانتحار اذا فكروا في إيقاف هذه الدوامة، والأخرى تطاردها عصابة للتخلص منها بغرض السرقة...! ومازالت القافلة تسير والإعلام في موت صغير. أصبحت جميع الاعمال الحاليّة مصابة بمرض التكرار، تجدنا نكمل الأحداث دون رؤية الحلقات الأخرى، حيث تُمارس طقوس التكرير في كل سنة، وننام على نفس الوتيرة. لذلك لا أخفيكم أمرا انني ليلة البارحة أقفلت التلفاز بعدما شعرت بأن كل القنوات متشابهة حيث العمل نفسه والاحداث نفسها ولكن بوجوه مختلفة ومونتاج متطور أكثر، وهرعت الى تشغيل برنامج اليوتيوب كتبت في صفحة السيرش، مسلسلات الثمانينيات، كل فيديو كنت أشاهده جعلني أشعر بطفولتي في عمري العشريني بشكل ملهم وجميل فأصبحت أردد في نفسي: (رب زمان بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه!!) تبقى الأشياء التي لها قيمة هادفة وفريدة مستوطنة وراسخة في الذاكرة، ولكن السؤال هنا: متى يعود الإعلام كما كان؟.