اهتمت الدولة منذ فترة بعيدة بابتعاث المواطنين للدراسة في الخارج وأنفقت على ذلك بسخاء، هذا السخاء جعل المبتعث يعيش في بلد الابتعاث بكل راحة ويسر، فلم يكن يحمل هم تكلفة رسوم الدراسة -التي لا يعلم الكثير من المبتعثين كم هي أصلا- لأنه لم يدفع فاتورة رسوم دراسة واحدة طول فترة دراسته في الخارج سواء طالت مدة الدراسة أم قصرت، ولم يكن يعلم المبتعث عن تكاليف علاجه، فقد كان يذهب الى أفضل مستشفى في محيطه ويطلب العلاج دون أن يسأل عن التكلفة، ما كان عليه سوى أن يبرز بيانات التأمين الصحي التي وفرتها الملحقية له ولأسرته، ويركز على الاستشفاء من مرضه أو يهتم برعاية ذويه، المهم أنه لولا رعاية الدولة السخية لهذا المبتعث لما تمكن من الدراسة في أفضل المؤسسات التعليمية بكل راحة ويسر مستفيدا من أفضل الخدمات التي توفرها بلاد الابتعاث، خدمات تعليمية وصحية وتقنية تعتبر الأحدث في العالم لا تملك حيالها إلا الانبهار أحيانا. هذا الانبهار بطبيعة الحال يجرك الى التساؤل عن كيف وصلوا الى ما وصلوا إليه من علم وأنظمة احترافية، البعض من المبتعثين ممن وفق في صحة الاستنباط ربما وجد بعض الاجابات عن تساؤلاته، ولو أن الكثير منها فيه تعقيد كثير ولا يمكن أن نفترض أن أسباب تطور الغرب يمكن حصرها في كلمات بسيطة رغم أنها قد تكون دقيقة أحيانا في بعض جوانبها ولكنها غير كافية، فيمكن لأحدهم أن يعزو تطور الغرب الى أنظمة المحاسبة، وهذا القول فيه شيء من الصحة، ولكن لو اطلعنا على الكم الهائل من قضايا الفساد المالي والاداري في تلك البلدان لتوصلنا سريعا الى أن وجود أنظمة المحاسبة ليست هي السبب الوحيد لتطور تلك البلدان، وقياسا على ذلك فإن التطور التقني والخدمات الطبية او القوة العسكرية وغيرها من الامور المبهرة في الغرب ليست وحدها السبب في تطوره، وإنما هو كل ذلك مجتمعا مع الأسباب والظروف التي أدت إليه، وسأقف الى هذا الحد لكي لا أتجاوز حدود الملاحظة وأترك التحليل للمتعمقين في العلوم السياسية والاقتصاد، ولكني أود أن أضيف ملاحظة أخيرة وهي أن ليس كل مواطني بلاد الغرب المتطور مستفيدين من رخائه وتطوره كما قد يبدو لبعض إخواننا المبتعثين، فلو تيسر لبعض المبتعثين الخروج من الأماكن المريحة التي يقيمون فيها بالقرب من جامعاتهم وذهبوا الى بعض الاماكن التي يقيم فيها عمال المناجم أو المزارعين أو عمال المصانع الذين يجلبون لأوطانهم الثروات الطائلة في مقابل أجر أسبوعي زهيد لا يمكن أن يوفر ما يمكن أن نصِفه بالحياة المرفهة، فلا السيارة فارهة ولا المنزل جميل ولا الحال يسر، وهؤلاء القوم هم من يشكلون السواد الأعظم من دافعي الضرائب - كما يصفون أنفسهم - في بلدانهم، إلا أن المبتعثين الى تلك البلدان لم يتيسر الأمر لهم بأن يحتكوا بهذه الشريحة الكادحة من المجتمع، فلربما لو كان قد تيسر ذلك لدفع بعض المبتعثين للتساؤل عن أسباب هذا الانحطاط، لو أن المبتعثين احتكوا بهذا الصنف من المجتمع لأبهرهم شدة فقر وتردي حال هذه الشريحة الواسعة وهم يعيشون في أثرى بلدان العالم وأقواها اقتصادا، ولربما اكتملت الصورة الناقصة في أذهان بعضهم ولم يستعجل الأمر ويصل الى النتيجة المنقوصة بأن تطبيق الأنظمة التي في تلك البلدان سيزيد من جودة الحياة في بلداننا، ولكن على إخواننا المبتعثين أن يدركوا أن هناك جانبا آخر من أمريكا لم تسنح الفرص لهم أن يطلعوا عليه بدرجة كافية كي يدفعهم الى التساؤل عن أسباب رداءته، فلو سألت أحدهم لقال لك: ذهبت إلى أمريكا وما رأيت ما تقول. [email protected]